اليمنيون يريدون ودائعهم... والمصارف: "لا سيولة"

محليات
قبل شهرين I الأخبار I محليات

أعاد اعتراف أحد أكبر البنوك التجارية في اليمن بمواجهته أزمة سيولة حادة مخاوف اليمنيين، واحتشاد المودعين أمام "بنك اليمن الدولي" مطالبين بالإفراج عن مدخراتهم المحجوزة، متهمين إدارة البنك بقرصنتها، مردّدين "أين الودائع.. حقنا ضائع"، إلى الأذهان، حادثة الإفلاس التي شهدها القطاع المصرفي اليمني في أواخر عام 2005.

 

 

يتكرّر المشهد اليوم بعجز معظم البنوك التجارية اليمنية عن إعادة الودائع إلى مودعيها، ما أفقدهم الثقة بها، وكشف عن أزمة تعصف بالقطاع المصرفي وتنذر بتداعيات كبيرة.

 

 

يؤكّد الخبير والباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار، أن البنوك التجارية تواجه تحدّيات كثيرة "سببها الحوثيون وممارساتهم الممنهجة ضدّ القطاع المصرفي، فالضغط الذي يمارسونه على المصارف دفعها إلى حافة الإفلاس نتيجة تحريضهم الناس على الاصطفاف في طوابير أمام أبوابها لسحب أموالهم".

 

 

يضيف النجار لـ "النهار العربي" أنّ "90% من استثمارات البنوك التجارية في اليمن محصورة في أدوات الدين المحلي، كسندات الحكومة، وأذون الخزانة لدى البنك المركزي في صنعاء، والسبب هو البيئة الاقتصادية الهشة في اليمن"، لافتاً إلى أن الحوثيين حرموا هذه المصارف منذ عام 2015 قدرتها على الوصول إلى أموالها واستثماراتها وفوائد استثماراتها في أذون الخزانة، ما تسبب بأزمة في سيولتها النقدية".

 

 

ويبلغ إجمالي استثمارات البنوك التجارية في أذون الخزانة 1,8 تريليون ريال يمني (نحو 8.4 مليار دولار) حتى عام 2015، فيما بلغت الاحتياطات القانونية لهذه البنوك في البنك المركزي في صنعاء 774 مليار ريال يمني (نحو 3.6 مليار دولار)، بحسب تقارير مركزي عدن.

 

 

اقتصاد موازٍ

ولفت النجار إلى أن حرمان المصارف التجارية والإسلامية من أموالها واحتياطاتها القانونية يأتي ضمن سياسة ينتهجها الحوثيون لتدمير القطاع المصرفي اليمني، والاعتماد على الاقتصاد الموازي الذي أنشأته الجماعة، والمتمثل في منشآت الصرافة.

 

 

وشرعن الحوثيون هذا الإجراء للاستحواذ على الودائع بإصدارها في آذار (مارس) 2023 ما سمّته "قانون منع التعاملات الربوية للبنوك"، وتحويل أموال البنوك التجارية المستثمرة في أذون الخزانة إلى حسابات جارية غير قابلة للسحب، واعتبار الأرباح التي صُرفت في السابق عن تلك الودائع أموالاً غير شرعية، ولهذا تُحتسب من القيمة الأصلية للوديعة.

 

 

أما بالنسبة إلى الودائع التي أودعها المودعون في البنوك التجارية بعد عام 2015، "فقد تمّ التعامل معها بشكل طبيعي سنوات عدة، والناس تسحب أموالها من دون معوقات، إذ وفقاً للقواعد الدولية، يحتفظ البنك بنسبة 25% من السيولة، ويستثمر النسبة الباقية أو يسيلها"، كما يقول النجار.

 

 

وفي تعليمات بنك اليمن الدولي للعملاء في صنعاء، يحدّد سقف السحب الشهري بمبلغ 50,000 ريال يمني، أي نحو 93 دولارًا بحسب سعر العملة في صنعاء، وإن خالف المودع ذلك يعاقب بحرمانه من السحب نهائياً، فيما أوقفت بنوك أخرى عملية السحب بشكل كامل، ما ضاعف نزوح العملاء والمودعين من البنوك التجارية والإسلامية، مقبلين على الإيداع في منشآت الصرافة.

 

إفلاس فعلي

يقول النجار إن البنك المركزي في صنعاء، الذي يسيطر عليه الحوثيون، هو المسؤول الأول عن أزمة السيولة النقدية، "وعلى المودعين التوجّه اليه، فهو من يضمن أموالهم واحتياطاتهم القانونية، وينبغي مساءلته لحرمانه بنك اليمن الدولي وباقي البنوك من الوصول إلى أموالها واستثماراتها"، مضيفاً أن على البنوك التجارية ألّا تقف مكتوفة اليدين، وأن تتحرك محلياً ودولياً لرفض ممارسات الحوثيين، وإن استمرت في صمتها فستتعرض لأزمات متتالية، فتصل إلى الإفلاس الفعلي". 

 

 

ويعقّب الدكتور وليد أحمد العطاس، أستاذ العلوم المالية والمصرفية المساعد في جامعة حضرموت، قائلاً لـ "النهار العربي": "الحقيقة التي لا يريد أحد الاعتراف بها هي أن أغلبية البنوك في صنعاء مفلسة فعلياً، سواء أعلنت إفلاسها أم لم تعلنه، وحتى إن جدولت صرف جزء من الودائع التي في أرصدتها".

 

 

ويضيف: "لا يوجد بنك يمتنع عن دفع أموال مودعيه تحت أي حجة، وسكوت البنكين المركزيين في صنعاء وعدن عن أزمة بنك اليمن الدولي يعني تخليهما عن مسؤوليتهما عن البنوك".

 

 

نحو الانهيار

يرى ماجد الداعري، الصحفي اليمني المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن أزمة البنوك التجارية في صنعاء "جباية الحوثيين مبالغ طائلة من التجار والبنوك تقدّر بالمليارات، بحجة الزكاة ودعم المجهود الحربي، إضافة إلى احتجاز البنك المركزي في صنعاء أموال البنوك ومنعها"، مضيفاً لـ "النهار العربي": "منع الحوثيين الفوائد بحجة أنها ’ربوية‘ ونهبهم للمدخرات والودائع وتسخيرها لشن حروبهم المستمرة على الشعب اليمني، مسائل أدّت إلى أزمة سيولة حادة في القطاع المصرفي".

 

 

ويؤكّد العطاس أن الطريق نحو إنقاذ ما تبقّى من قطاع مصرفي في اليمن "تبدأ بعدم  إقحامه في الصراع السياسي، وتوحيد البنك المركزي والسياسة النقدية، وتمكين البنوك التجارية من القيام بدورها في إنعاش الاقتصاد الوطني وتجنيبها الإفلاس والمواجهة مع المودعين".

 

 

ويختم الداعري بالقول: "ما لم نشهد حلولاً جذرية وتسويات سياسية تنهي الانقسام النقدي وتنقذ ما تبقّى من القطاع المصرفي، فإن اليمن سيشهد انهياراً اقتصادياً شاملاً".