تمر منطقة الشرق الأوسط بتحولات متسارعة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي وبعد اجتياح العراق وسقوط حكم صدام حسين، ثم مجريات ما يُسمى الربيع العربي وظهور هيمنة إيران على العراق، وبعدها انتشار سيطرة واضحة لعدة أحزاب ومنها حزب الله، كحزب مقاوم لإسرائيل، ومدعوم كليًا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في كل من سوريا ولبنان والعراق ودول أخرى، وإنشاء المليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن تأتمر من أيران، وقد أشار السيد حسن نصر أمين عام حزب الله في كلمة له حول استراتيجية الحزب، بقوله:” علينا إزالة الحالة الاستعمارية والإسرائيلية، ومشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه، الإمام الخميني".
المشكلة هنا أن البلاد العربية الإسلامية تتميز بأنها مكونة من عدة أعراق وطوائف وقوميات، وبالتالي يتعارض مثل هكذا توجه مع العديد من الأحزاب في البلاد العربية، وعلى وجه الخصوص في لبنان حيث تعارض فكرة أن تكون لبنان تحت إمرة الولي الفقيه في إيران، بما في ذلك الأحزاب السنية الموجودة في لبنان وهذا الاتجاه الفكري أدى إلى شرخ عقائدي بين الأحزاب السنية والشيعية في لبنان والبلدان العربية بشكل عام، لقد دخل حزب الله في صراع مع إسرائيل خلال عدة مراحل في مواجهات، منها حرب يوليو عام 2006م، والآن الصراع الإسرائيلي مع حماس في غزة، الذي على أثره تمّ الدخول حاليًا في مرحلة ساخنة وتحديدًا على الجبهة الجنوبية للبنان مع اسرائيل، ويظهر على ما يبدو وجود ملامح تطور لهذا الصراع إلى حرب دامية بينهما، تتمثل بإطلاق صواريخ في العمق الإسرائيلي وصواريخ وقصف إسرائيلي في جنوب لبنان.
لقد تطورت الحرب بين حزب الله وإسرائيل وتغيرت مع هذا المسار قواعد الاشتباك، من موقف دفاعي من قبل إسرائيل إلى استراتيجية هجومية جديدة خاصة في الأونة الأخيرة، بهدف استنزاف القوى العسكرية لحزب الله، حيث دمرت إسرائيل شبكة الاتصالات (البيجر واللاسلكي) التي تربط أعضاء وعناصر حزب الله، باستخدام تقنية الحرب السيبرانية، حيث تم تفجير هذه الأجهزة عن بُعد وقتل وإصابة العديد منهم، تبعها عمليات قصف واستهداف جوي طالت الضاحية الجنوبية نتج عنها مقتل ابراهيم عقيل (رئيس وحدة العمليات الخاصة بقوات الرضوان)، إلى جانب مقتل حوالي 30 من قيادي ومنتسبي قوات الرضوان.
إن أهمية استهداف الصفوف الأولى من قوات الرضوان بالنسبة لإسرائيل، وفي هذه المرحلة تحديدا وبعد شهور من الصراع تقارب العام، هو استنزاف وربما القضاء كليًا على قوات حزب الله العسكرية وتحجيم قدرات الحزب عسكريًا، وطبعاً القضاء أيضًا على كامل المليشيات المسلحة المدعومة من ايران في العراق وسوريا واليمن والمتواجدة في المنطقة العربية، إن هذا الصراع الدامي حتمًا سوف يدخل إلى مرحلة من الصراع أكثر عمقًا واشتعالًا، وبطريقة غير مباشرة سيشمل ضرب ايران من خلال أهم ورقة تملكها ايران في المنطقة العربية وهي حزب الله.
تستهدف اسرائيل مؤخرًا مخازن الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة والأسلحة الاستراتيجية التي يمكن استخدامها في الحرب، وهذه المرحلة الجديدة حتمًا ستدخلنا في السيناريو الأبرز، وهو فتح عدة جبهات في المنطقة والتي ستدخل مباشرة في حالة حرب إقليمية، الجبهة الأولى لها طبعًا هي غزة والضفة الغربية، وجبهة حزب أنصار الله الحوثي في اليمن وسوريا والعراق، وبالتالي ستقود لحرب مباشرة بين هذه الجبهات من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ومن المعلوم أن كل هذه الجبهات تشهد تواجد وانتشار للمليشيات المدعومة من إيران.
إن الجبهة الأساسية للحرب هي بالطبع الدائرة في غزة، حيث الاشتباكات المستمرة، ولكن بعدها وبدون شك كل الجبهات السابق ذكرها سوف تتفاقم وتتصاعد فيها حدة نيران الاشتباك، لنكون عمليًا أمام ساحة حرب واسعة إقليمية مع إسرائيل لا محالة، وضمن احتمالية واردة بأن تؤثر على البلدان المجاورة بما فيها الحدودية لهذه الجبهات المشتعلة أصلًا، وبشكل يتجه نحو التطور وبصورة يمكن معها فتح باب الحرب على مصراعيه بين إسرائيل وإيران، أي أن احتمالية رد إيران على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية ومن خلال الجبهة السورية، وهو ما بدا واضحًا مؤخرًا، حيث استهدفت اسرائيل الميليشيات الإيرانية المتواجدة في المناطق الحدودية وبعمليات قصف نوعية، فمنذ فترة قصيرة تمّ استشعار تحركات إيرانية تتمثل بتجهيز الفصائل الموالية لها خاصة على الحدود مع إسرائيل، هذه التحركات من قبل الفصائل كانت تتمحور في مطاريين عسكريين داخل سوريا قرب السويدا، هما مطار الثعلة وكذلك مطار خلخلة بالقرب من منطقة مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وهذه الميليشيات موالية لإيران بما في ذلك فصائل مسلحة من الحوثيين ولواء زينبيون والفاطميون وقوات العباس وحزب الله العراقي تحت لواء الحشد الشعبي، ومجموعات من الأفغان والبنغال وكل هذه الميليشيات والجماعات المسلحة تنتظر إعلان ساعة الصفر وأوامر إيران لها بالانطلاق من هذه الجبهة، والتي ستفتح من الحدود السورية نحو الجولان، وبالتالي تجاه المشاركة في الحرب الإقليمية الجديدة.
وفيما يخص منطقة السويداء فقد شهدت على مدى اكثر من سنة مظاهرات واسعة، والدولة السورية لم تضبط أوضاع وأمن هذه المنطقة، مما جعلها خارج نفوذ النظام السوري وفي انعزال عملي عن الجغرافية السياسية السورية، والأمر البالغ الأهمية هو أن هذه المنطقة الجنوبية للبادية السورية، تتواجد فيها العديد من المليشيات التي تمتلك صواريخ متطورة وتبعد حوالي 55 كيلومتر عن الجولان وقريبة أيضًا للحدود السورية الأردنية، وهذه المنطقة الجغرافية التي هي جزء من الحزام الناري المحيط بإسرائيل وعلى حدود البادية السورية الجنوبية الملاصقة للحدود الأردنية مباشرة، تتطلع تجاهها على ما يبدو إيران نحو انفتاح هذه الجبهة، الأمر الذي سيقود لتدخل أردني لحماية حدوده ومواطنيه، خاصة أن الأردن أعلن مرارًا بأنه لن يسمح باستخدام الأراضي والأجواء الأردنية من قبل أي طرف.
وفيما يخص الجبهة اللبنانية وبالتحديد جنوب لبنان ممثلًا بحزب الله، فهذه الجبهة مشتعلة ومتوترة منذ بدء الصراع بين حماس وإسرائيل في غزة، لكن في هذه الحرب الإقليمية سوف يزداد تفاقم الأمور وتتعمق طبيعتها نحو حرب مفتوحة تمامًا بين الجانبين، وبشكل تصبح معه قواعد الاشتباك السابقة عديمة الفائدة، ومن المعلوم أن حزب الله في جنوب لبنان هو في حقيقته جزء أساسي من الحزام الناري الذي يطوق إسرائيل من الشمال، وإسرائيل وتمهيدا لهذه المواجهة الإقليمية المحتملة، قامت باستباقها بضرب البنية التحتية لحزب الله وقتل جزء من قيادات الصف الأول بما فيها قوات الرضوان، وتفكيك على ما يبدو شبكات الاتصال بين عناصر الحزب، وكرد من حزب الله فانه سيقوم بتكثيف إطلاق الصواريخ لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، وبالتالي فأن إسرائيل إذا ما تمكنت من القضاء على البنية التحتية والعسكرية للحزب من خلال القصف الجوي والمدفعي فأن هناك احتمالية راهنة باجتياح بري، هدفه كما زعمت إسرائيل مرارًا الوصول إلى نهر الليطاني والخط الأزرق والعمل على انشاء منطقة عازلة، يكون هدفها المباشر رجوع النازحين إلى مناطق سكنهم في الشمال، ويمكن تحقيق هذه الأهداف من خلال مساندة حلفاء إسرائيل لها، وهي أمريكا وبريطانيا في هذه الحرب الإقليمية متعددة الجبهات والأطراف على ما يبدو، وإذا تمكنت إسرائيل من إنشاء هذه المنطقة العازلة في جنوب لبنان، فسيكون هناك دخول في مسار مفاوضات مع الدولة اللبنانية تشمل وجود قوات أممية وقوات من الجيش اللبناني، والعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 لعام 2006م، والمعني بحل النزاع الإسرائيلي اللبناني.
إن تعدد جبهات حزام النار والمواجهات مع اسرائيل والمكونة من الجبهة اليمنية وإطلاقها للصواريخ والمسيرات تجاه اسرائيل والتضييق على الملاحة في البحر الأحمر، إضافة للجبهة العراقية المتمثلة بالميليشيات والفصائل الموالية لإيران، كذلك الجبهة على الحدود الجنوبية للبنان والجبهة السورية، جميعها معطيات تصب في سيناريو واحتمال أساسي وهو أن المنطقة تدخل فعليًا في مرحلة حرب إقليمية واسعة وشاملة جديدة وبشكل لا محالة.
*"كاتبة أردنية - رأي اليوم"