د. عادل النمري
د. عادل النمري

ثمانية كراسي...ويا وجع رأسي

الكتابة عن مأساة المواطن في جنوب اليمن خاصة، واليوم عامة ليس مجرد قصة كتابة، بل صرخة موجوعة في وجه التاريخ، ونبشٌ لجراحٍ ما زالت تنزف في صمت.  قصة: (ثمانية كراسي.. وشعبٌ بلا كرسي)

في جنوب البلاد، هناك أرضٌ تعرف الشمس جيدًا، لكنها لا تعرف الكهرباء. أرضٌ تسمع هدير البحر كل مساء، لكنها لم تسمع صوت العدالة منذ زمن بعيد. أرضٌ اسمها الجنوب اليمني… لكن قلوب أهلها باتت منفصلة عن كل الجهات. منذ سنين طويلة، كان الناس هناك يعيشون على الأمل، يتغذّون على الصبر، ويحلمون بأن يكون الغد أقل وجعًا من اليوم. ولكن منذ العام 2010م، بدأ الغد يتنكّر، واليوم يخون، والماضي يزداد جمالًا في أعين الموجوعين؛ لأن الحاضر لا يُطاق. مرت الحكومات وتبدلت الوجوه، ولكن الألم لم يتبدّل، الفقر ظل كما هو، بل كبر، والحرمان تمدد، وكأنّه وجد في هذه الأرض تربة خصبة للنمو.

ثم جاء (مجلس القيادة الرئاسي)، بثمانية رؤوساء. ثمانية وجوه، ثمانية كراسي، ثمانية وعود. وكأنهم نسوا أن الكرسي إن لم يكن محمولًا على ضمير حيّ، فهو مجرد خشبة باردة لا تقي بردًا ولا تحمل دفئًا.

كان الشعب يظن أن الثمانية سيتوزعون المهام، أن أحدهم سيهتم بالكهرباء، وآخر بالمياه، وثالث بالمرتبات، ورابع بالصحة، وخامس بالتعليم، وسادس بالأمن، وسابع بحقوق الناس، وثامن بسكينة قلوبهم.

لكن ما حدث هو أن الثمانية جلسوا، وتنازعوا على أيهم أولى بالحديث، وأيهم أحق بالمكان الأعلى. جلسوا يتحاورون على الورق، ويتصارعون على الشاشات، بينما كانت عدن تختنق من الحر، وحضرموت تموت من العطش، وشبوة تُنهب في وضح النهار.

تُطفأ الكهرباء، ولا أحد من الثمانية ينطق. تنقطع المرتبات، ولا أحد يشعر بالخجل. يُختطف الأبرياء، ولا بيان يُنشر. تُسرق الأراضي، وتُغتصب الحقوق، وتُقصف المدن، ولا أحد من القادة الثمانية يهتز له رمش.

في كل حي من أحياء عدن والجنوب كلها عشرات القصص التي تدمي القلوب، آلاف الأسر تموت من الجوع والفقر والمرض،  راتب الموظف لا يكاد يأتي له بقطمة أرز، أو كيس دقيق أبيض، فضلا عن المتطلبات الأخرى، ومع ذلك الراتب لا يأتي، بحجة أنه لا وجود للسيولة المالية في البنك، فأين تذهب أموال البلد الغني في كل شيء.  الكهرباء طوال اليوم منطفئة، الحر يأكل الأجساد، الأوبئة منتشرة، والحميات أهلكت الحرث والنسل، لم نسمع عن مسؤول استنكر، ولا وزير نزل يتفقد أحوال الناس، لم يتحرك لهم ساكن، ولم نسمع لهم بنت شفه.

تمر الأعوام، ولا شيء يتغيّر. الوجوه تتبدّل، لكن الفساد يبقى، والعجز يبقى، والخوف يبقى. ثمانية رؤوساء، كلهم يتحدثون عن السلام، وكل مدينة في الجنوب تُقصف أو تُنهب أو تُحاصر، ويموت أهلها جوعًا وقهرًا. كلهم يرفعون شعار (مع الشعب)، لكن لا أحد فيهم يجرؤ أن يسير في حي شعبي من دون حراسة. بل وليس منهم من يعيش في البلد، كلهم في فنادق الدول المجاورة يحكمون عن بعد.

وفي كل قرية منسية من قرى البلد، يقف شيخٌ مسنّ في السبعين من عمره، ويقول أمام حفيده:

يا بنيّ… نحن شعبٌ اختُطف مرات عديدة: مرة بالجهل، ومرة بالوعود الكاذبة، ومرة بالرصاص، و..........إلخ، وهذه المرة  يخطف بالصمت. كانت مشكلتنا رئيسًا واحدًا لا يسمع… فصارت مشكلتنا ثمانية لا يرون. وفي الختام لا يريد الشعب في الجنوب معجزات. يريد أن تُضاء المصابيح، أن تعود المرتبات، أن يذهب الأطفال إلى المدارس بلا خوف، أن تنام النساء دون أن يسمعن صوت الرصاص، أن يصحو الشيوخ في بيوت لا تنهار على رؤوسهم. يريد الجنوب أن تُعاد له كرامته، أن يُرفع عنه الظلم، أن يكون له من يحكمه لا من يحكم عليه.

أما الثمانية، فليتذكّروا جيدًا: أن الكرسي لا يورَّث، ولا يُقدَّس، وأن الله لا ينسى دعاء المظلوم، وأن الشعوب الموجوعة… لا تسكت إلى الأبد. الأحد: 07/07/2025 ✍????: د. عادل النمري.