كامل محمد علي
كامل محمد علي

الجائع لا يرقص!! 

في وطنٍ جائع، يخرج علينا جيشٌ من المطبّلين الذين لا يكتفون بتزييف وعي الناس، بل يخدعون الحاكم نفسه، ويصنعون له واقعًا مزيّفًا مدهونًا بألوان الوهم، بينما الشعب يئن تحت وطأة الجوع والذل.

لكل مسؤولٍ في السلطة زمرةٌ من المُلمِّعين تصنع له بطولة وهمية، وتبني له مجدًا من كلمات جوفاء، في سباق خبيث وبنفاقٍ لا ينقذ وطنًا ولا يطعم جائعًا. وهكذا تاهت الحقيقة، وغُيّب صوت النَّاس، وأُلبس الفشلُ ثوبَ الإنجاز، وضاعت البلاد بين أبواق الزيف وصمت القبور.

 

اليكم حكاية من التاريخ تحمل من العبرة ما يُضيء الطريق :

يذكر أن الخليفة المعتضد مرّ في إحدى سفراته بقرية فيها أرض قثّاء، فدخل بعض غلمانه الأرض وأخذوا منها دون إذن. 

صاح صاحب الأرض واشتكى، فأمر المعتضد بإحضار الغلمان الثلاثة، وسجنهم. وفي صباح اليوم التالي، صُلب ثلاثة رجال في العلن!

ثار النَّاس، وقالوا: أيقتل الخليفة غلمانه من أجل قثّاء؟!

دخل عليه الفقيه الخوّاص منكرًا، وهو احد حاشيته وجلسائه فقال له الخليفة: "أتظنهم غلماني؟ لا والله، هؤلاء لصوص قتلوا وسرقوا، فألبستهم زيّ غلماني وصلبتهم، لأُرهب الجيش وأمنعهم من فسادٍ محتمل."

فلله درّ الخوّاص، ما نافق ولا جامل، بل أنكر وقال الحق، حتى على باب السلطان.

وهنا الفارق بين من ينصح الحاكم ويُقومه، وبين من يضلله ويزخرف له الخطأ ويزيف له الواقع. فالحاكم بشر، إن وجد من ينصحه استقام، وإن أحاط به المطبلون فسد وأفسد. 

وأنا هنا لا اوصي المطبلين بأن يصبحوا الخوّاص ولا الحكام ان يكونو.كالمعتضد احتراماً للاستحالة المطلقة إنما اوصيهم بمراعاة عقول الشعب واحترام صبره .

مصيبتنا اليوم ليست فقط في من يحكم، بل في من يصفق له وهو يخطئ، فيمن يخون أمانة الكلمة ليكسب الرضا، ويغمس الوطن في الوحل ليبقى قريبًا من البلاط.

 

التلميع اليوم جريمة، والتطبيل خيانة، وأولئك الذين باعوا ضمائرهم ليصنعوا للحاكم مجدًا كاذبًا، شركاء في الجوع، ومساهمون في الكارثة.

ختاما ياساده الوطن لا تُنقذه الخُطب، ولا تُداويه الكلمات المعسولة، ولا الشعارات التي تُكتب بالحبر وتُمسح بالدم.

الوطن يُنقذ حين يصمت المطبل، ويُحاسب المسؤول، ويعلو صوت الجائع فوق المايكروفونات الكاذبة، 

وإن لم يتوقف هذا النزيف من الكذب والتزييف، فلن تقوم لنا قائمة، وسيبقى الشعب وحده من يدفع الفاتورة، بصمته وجوعه ودموعه.

وحين ينهض، لن يرحم أحدًا.!!