تعرض التعليم في ظل المليشيا الحوثي لأخطر عملية تجريف تهدد حاضر ومستقبل اليمن، فمنذ اجتياح صنعاء سارعت لفرض خطة انشطة طائفية في المدارس والزام حضور الدورات الثقافية حتى تمكنت من تغيير المناهج التعليمية، وتحولت المدارس في ظل المليشيا من مشاعل تنوير الى أماكن تعبئة طائفية ومراكز تفخيخ العقول واحياء جذور الفتنة ودوامة الصراع الذي عانى منه اليمن لأكثر من الف عام.
خطر تغيير المناهج التعليمية
ما تعرضت له المناهج الدراسية يعد أخطر ما أقدمت عليه مليشيا الحوثي من بين كل جرائمها بحق اليمن منذ الانقلاب، إنها الجريمة التي تستهدف البنية المجتمعية، فالمناهج التعليمية في أي بلد هي دستور وطني ثابت، أهم من الدستور السياسي لأنها تنضم التفكير للمجتمع اليمني، وتغرس القيم، وتبني الثقافة العامة، واقدام المليشيا الحوثية على تغيير المناهج التعليمية يعد تعدياً على ثوابت الشعب اليمني ، وإحياء للعنصرية والطائفية، وتنتج جيلاً مفخخاً بالأفكار المتطرفة، بعدما ظلت المناهج الدراسية تعبر عن الهوية الإسلامية والانتماء العربي الأصيل للشعب اليمني، وقد أثمرت تلك المناهج جيلاً موحداً في هويته وانتمائه، وخضعت التحديثات فيه لعملية مواكبة وتطوير وفق دراسات وبحوث متخصصة.
وفي حديث للباحث في الفكر الإسلامي الدكتور عبدالله القيسي عن تغيير مليشيا الحوثي للمناهج التعليمية قال " لو حصرنا جرائم التي قام بها الحوثي منذ الانقلاب سيكون تغيير المناهج أخطر تلك الجرائم.
وأضاف تغيير المناهج تعني أن الجرائم تستمر لأجيال وأجيال، ودفع فاتورة أكبر عندما نحاول تغيير هذه السلطة الطائفية وأشار أن المناهج التعليمية في أي بلد هي دستور اهم من الدستور السياسي لأنها ينضم التفكير في المجتمع مستدركا " ولكن عندما تتبنى المناهج أفكار متطرفة وتشيطن الآخر وترفضه وتقصيه وتحاربه نحن أمام جريمة متكاملة تتحول مع الوقت الى انتقام".
وأوضح القيسي أن فرض المليشيا للمناهج والافكار بالقوة اليوم بالقوة هم يقطعون كل السبل في المستقبل حينما تدور الدوائر عليهم، فالأيام دول، حسب وصفه ولن يدوموا ولكن بهذه الطريقة التي يتعاملوا بها ستكون ردة الفعل الانتقامية مبالغ فيها وكبيرة.
تكريس الطائفية والعنف حشدت المليشيا الحوثية في المناهج التعليمية التي غيرتها كل مظاهر وعبارات الغلو والتطرف الطائفي، تحولت كتب القرآن والسيرة والفقه واللغة وحتى الرياضيات والعلوم إلى شرر تتطاير منها الطائفية، واستجمعت كل ما لديها من النصوص والصور وما جال بفكرها منن أنشطة لغرس فكرة تميز آل البيت واصطفاءهم دون الناس ووجوب موالاتهم والاقتداء بهم، وحشدت الآيات والأحاديث التي تفسرها بحسب أهواءهم وربط القصد بها القيادات الحوثية، وتصبح هي المؤيدة بالحق والمقصودة بالآيات فهي الإمام والملك.
بالمقابل عمدت المليشيا في المناهج الدراسية عدلتها إلى التقليل من شان الصحابة الكرام واهمال رواة الأحاديث ومحاولة طمس ذكرهم و استخدام عبارة "الصحابة المخلصين" للإيحاء للطلبة بأن هناك صحابة غير مخلصين.
اضافة مليشيا الحوثي في المناهج صور قتلاها ومقاتليها في الجبهات وقدمتهم كرموز، وتضمنت الدروس صور الأسلحة والجرائم بحيث يؤدي إلى تكريس العنف وتأصيل الصراع تمهيداً لاستقطاب الطلاب وتدريبهم عسكرياً والزج بهم في جبهات القتال، وهي فكرة مستنسخة من التجربة الإيرانية التي تعد القدوة والمثال للجماعة.
وكان المركز اليمني للدراسات والإعلام التربوي أكد أن الحوثيون يصرون على إعادة تعديل مناهج التعليم المدرسي، ولديهم توجهات جديدة في إعداد مناهج جديدة تخدم أجندتهم الطائفية.
وحذرت منظمات محلية ودولية من "مخاطر التعديلات التي تجريها الجماعة على المناهج التعليمية في اليمن، واستبدالها بأخرى تكرس التوجهات الطائفية للجماعة، ما قد يخلف أثراً سلبياً طويل الأمد".
التغييرات الحوثية في المناهج التعليمية
شملت التغييرات الحوثية للمناهج ثلاثة أشكال هي حذف دروس وإحلال بديل عنها، تحويل المضمون والمحتوى بحيث يتوافق مع افكارهم، تفسير الآيات والأحاديث وفق توجههم العقدي، وإن بقي العنوان السابق، التقديم والتأخير، بالإضافة لما سبق فقد عززت المناهج بصور الإعلام الحربي التابع لها والرسوم المعبرة عن الفعاليات والأنشطة الطائفية.
بلغت عدد التغييرات في المناهج التعليمية( 1024 ) تحريفًا، حيث احتوت المناهج الجديدة 162 درسًا جديدًا وحذفت 187 درسًا من الدروس التي كانت معتمدة رسميًا عام 2014، أي قبل اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء وسيطرتها على مؤسسات الدولة.
نستعرض هنا نماذج من الدروس والمحتوى والصور التي تضمنتها المناهج الدراسية الجديدة لمليشيا الحوثي التي وزعتها على المدراس ففي الصف الأول سيجد التلميذ تفسير سورة الفاتحة بالبعد طائفي حيث الآية (( اهدنا الصراط المستقيم )) تفسر على انها طريق الانبياء وأعلام الهدى المدعين أنهم السلالة والعترة، وعلم الهدى بحسب أفكار الجماعة اليوم عبدالملك الحوثي، وتفسير ((المغضوب)) اليهود ومن تولاهم والذي لايؤمن بأعلام الهدى اليوم يدخل ضمن المغضوب عليهم، يدرس طالب الصف الأول سيرة علي بن أبي طالب قبل سيرة النبي، ويقترن اسمه بـ ( عليه السلام) بدلاً عن رضي الله عنه، ثم يجد الطالب صور الإعلام الحربي لمقاتلي الحوثي على أنهم مجاهدين ليس من جبهات فلسطين وانما في جبهات تعز والحديدة ومارب، وتحولت الأناشيد الى زوامل تعبوية للقتال وتحشد للجبهات.
في الصف الرابع يحتوي كتاب اللغة العربية صور المقابر والأطفال المسلحين، والحشود، ودروس زيد والزهراء وتحول كتاب التربية الوطنية، كأنه اصدار تابع للتوجيه المعنوي الحوثي يورد الكتاب وسائل الإعلام التابع لهم وصور شعارات القنوات الفضائية ويحذر من متابعة أي قنوات أخرى.
التأريخ في منهج الحوثي قائم على التزييف والتحريف فتضمن كتاب التأريخ للصف الخامس دروس عن 21 سبتمبر باعتبارها ثورة، والاساءة لثورة الـ 26 سبتمبر كونها انقلاب وحذفت دروس الدول اليمنية القديمة واستبدلتها بثورة القاسم ويحيى حميد الدين وحذفت دروس أعلام اليمن الامام الشوكاني و أبو الاحرار الزبيري وعلي عبد المغني في كتاب الوطنية لنفس الصف واضافة بدلاً عنها دروس مخصصة ليحيى بن الحسين الرسي والقاسم بن محمد وهي شخصيات أسست للسلالة وتورطت بسفك الدماء اليمنية في سبيل الحكم.
كتب منهج الصف السادس نالها التغيير في المنهج الحوثي فحذفت الفتوحات الإسلامية في العهدين الاموي والعباسي والدويلات المستقلة عن الدولة العباسية واستبدلتها بدروس عن الأدارسة في المغرب وهم دولة قامة على السلالة ، ودولة طبرستان في ايران، وتضمن كتاب التأريخ للصف السادس أنشطة للطالب عن معارك علي ومعاوية وحرب الحسين ويزيد وأحدث كربلاء وعن الظلم الذي تعرض له آل البيت ، كما تعرض كتاب التربية الوطنية للصف السادس لتغيير جذري فحذفت قصص عمر بن عبدالعزيز وعمر المختار ويوسف العظمة واستبدلتها بقصة الصماد والشاعر الحسن بن علي والهادي يحيى بن الحسين.
فسرت المناهج الحوثية للآية ( كونوا أنصار الله ) في سورة الصف بكتاب القرآن صف السابع على أنهم المعنيين بالتوجيه الإلهي للمؤمنين بأن يكون حوثيين، وهي التسمية التي انطلقت منا الجماعة، وتضمن كتب القرآن والتربية الاسلامية على الولاء والبراء وربطت ذلك بحب القيادات الحوثية وتعظيمهم والولاء لهم في تفسير الآيات القرآنية، والبراء من اعداء الحوثي واجب ديني بحسب المنهج الدراسي، ولم تسلم دروس التجويد من التعبئة الطائفية ففي تجويد الصف السابع نشاط يطلب زيارة الجامع الكبير بصنعاء والبحث عن مصحف منسوب للإمام علي كتبه بيده.
تعرض منهج الصف الثامن كغيره من الصفوف لحذف واضافة بداية من حذف مقاطع من سورة المجادلة واضافة مقاطع عن النفاق، والاستدلال بأحاديث ضعيفة، وتضمنت دروس السيرة النبوية سردأُ بما يعزز الاصطفاء ورمزية علي بن أبي طالب، فخصصت درسين في السيرة وأنشطة واقتباسات في مختلف الدروس بمناسبة وبدون مناسبة، واضافة دروس عن المراكز الصيفية وفي معظم الدروس كانت الأنشطة المصاحبة مأخوذة من ملازم حسين الحوثي، وتكررت صور المولد النبوي وشعارات الحوثي، وحضرت صور المقاتلين في المناهج لتصنع منهم رموز وأبطال.
فسرت آية العروة الوثقى في سورة لقمان بكتاب القرآن للصف التاسع بأن المقصود بالآية هم العترة، وتضمنت مقاطع الآيات عن الشهداء مدح القتلى والتضحيات والتحشيد للجبهات والتحريض على كل من يقف ضدهم.
المناهج الدراسية في مناطق سيطرة المليشيا تعرضت للتعديل فقد حذفت كل أو اغلب رواة الأحاديث وأكتفت بذكر ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وتغيرت الأناشيد لتمجد آل البيت وتصف العترة بأنهم ورثت الأنبياء وبهم فقط تنقذ الأمة وتنتصر، واستبدلت الكثير من الاحاديث، بحيث توافق فكرها.
هكذا عبث المليشيا الحوثية بالمناهج التعليمية اليمنية، وما ورد نماذج بسيطة لما طال المناهج التعليمية من تحريف، الذي طال جميع الصفوف الدراسية وكل الكتب في التعليم العام والجامعي وبمجرد الاطلاع على الحذف والاضافة ومشاهدة ما ورد في الكتب الدراسية من تغييرات تشعر بمدى جناية هذه المليشيا على حاضر ومستقبل اليمن وتكريس للعنف وتفخيخ للأجيال ما يعني أننا أمام جريمة مركبة بحق اليمنيين وماجرته من كوراث تأسس لسنوات طويلة من المواجهة مع الشعب اليمني.