• مسؤول: عشرات الأراضي تم صرفها في إطار الحرم الجامعي بعقود رسميه وتصاريح بناء من السلطة المحلية بالبريقة
• مستثمر: أرضي بوحدة جوار منفصلة ومحاولات التشكيك في ملكيتي هي للتغطية على ما يحدث داخل الحرم الجامعي
في الوقت الذي تُعتبر فيه الجامعات منارات العلم وحصون العدالة، تأتي قضية جامعة عدن لتكشف صورة مغايرة تماماً. فبدلاً من أن تكون رمزاً للشفافية واحترام القانون، تتورط الجامعة في سلسلة من الاتهامات والفضائح المتعلقة بأراضي الحرم الجامعي، متجاهلة أحكام القضاء ومعتمدة على بيانات مضللة.
نزاع أراضي الحرم الجامعي: أبعاد القضية بدأت القضية عندما طالب رجل الأعمال حسين بن هادي بحقوقه القانونية في قطعة أرض اشتراها عام 1990 بوثائق رسمية وأحكام قضائية نهائية باته تؤكد ملكيته لها. بن هادي، الذي يمتلك سجلاً قضائياً يثبت شرعية موقفه، يُتهم من قِبل جامعة عدن والسلطة المحلية بالبريقة بالاعتداء على الحرم الجامعي.
في بيانين منفصلين لهما، يوم 21 نوفمبر 2024، أدعت كل من السلطة المحلية بمديرية البريقة، وجامعة عدن، قيام المستثمر بن هادي باقتحام مبنى السلطة المحلية بمديرية البريقة بأطقم عسكرية والتعدي على مسؤولين محليين وإجبارهم على تغيير إفاداتهم، في حين يؤكد المستثمر في بيان له رداً عليهما مفنداً ما وصفه "بالمغالطات والأكاذيب" أنه توجه إلى مبنى السلطة المحلية بمديرية البريقة "بناءً على استدعاء رسمي من مكتب النائب عبد الرحمن المحرمي لمتابعة قضيته المستمرة منذ 34 عامًا وتطبيق العدالة والقانون، وذهب معه اثنين من زملائه دون ان يكون لديهم اي سلاح أو ترافقهم أطقم عسكرية.
أرضي بوحدة جوار منفصلة ومحاولات التشكيك في ملكيتي تغطية على ما يحدث داخل الحرم الجامعي
أشار بن هادي في بيان الرد إلى أنه ناقش مع مسؤولي المديرية "الوثائق القانونية المتعلقة بالقضية، والتي حاول البعض إخفاءها، وتمكن من إثبات وجودها ضمن ملف القضية". مشيراً إلى أن السلطة المحلية امتنعت عن إصدار تراخيص البناء بحجج غير مبررة، رغم توجيهات المحافظ أحمد حامد لملس وقرارات هيئة أراضي وعقارات الدولة التي أكدت أحقيته في الأرض.
بن هادي أوضح أن القضية تتعلق بوحدة جوار منفصلة عن الحرم الجامعي، مستشهداً بوثائق قضائية ولجان رسمية، بعضها شكلها المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي أكدت أحقية ملكيته للأرض. كما أكد أن محاولات التشكيك في ملكيته تهدف إلى التغطية على التجاوزات والاعتداءات داخل الحرم الجامعي.
تضليل الرأي العام: التناقضات في بيانات جامعة عدن يتسم بيان جامعة عدن الأخير بتناقض واضح وصارخ، وهو إلى جانب ذلك مليء بالمغالطات والأكاذيب، ويمثل خروجاً جلياً عن أحكام القضاء. ففي حين تدّعي الجامعة أن القضية لا تزال قيد النظر أمام القضاء، تثبت الحقيقة أن المحكمة قد أصدرت حكماً قضائياً نهائياً لصالح المستثمر بن هادي، بما في ذلك حكم المحكمة العليا، قد حسمت الأمر لصالح بن هادي، ورفض الطعن المقدم من الجامعه ، مما يؤكد البت النهائي في القضية وشرعية ملكية المستثمر للأرض.
أراضٍ للسمسرة وليس للعلم الجامعة، التي صمتت لسنوات عن استباحة مساحات شاسعة من أراضي الحرم الجامعي منذ حرب 2015 وفق ما تؤكد هي نفسها في بيانها الأخير، تعترف الآن ضمنياً، أن "أراضي الحرم تعرضت للنهب والتصرف غير القانوني"، لكنها مع ذلك لم ترفع أي دعاوى قضائية ضد الجهات المتورطة. هذا الصمت، الذي استمر لعقد تقريباً، يثير تساؤلات حول تواطؤ محتمل من قبل الجامعة مع الجهات المعتدية.
بل يبدو أن الأمر أكبر من ذلك، ففي الوقت الذي تشهر فيه الجامعة سوط اعتراضها على ملكية بن هادي وهو مستمثر بوثائق قانونية وأحكام قضائية شرعية ونهائية، تظهر تقارير موثقة أن الجامعة نفسها تورطت في بيع مساحات من أراضي الحرم الجامعي على مرأى ومسمع الجميع. أراضٍ كانت مخصصة لكلية الصيدلة وكلية البترول، لكنها تحولت إلى مخططات تجارية وسط اتهامات بالفساد والمحسوبية.
مسؤول: عشرات الأراضي تم صرفها في إطار الحرم الجامعي بعقود رسمية وإفادة من سلطة البريقة
تصرفات الجامعة تؤكد أنها ليست مدافعة عن أراضيها كما تدعي، بل تستخدم القضية لتبييض سمعتها، التي لطختها سنوات من الفساد وسوء الإدارة.
ما يؤكد ذلك، ما جاء على لسان قائد وحدة حماية الأراضي بالعاصمة عدن المقدم كمال الحالمي، في فيديو متداول مطلع العام الجاري، من نفي صحة ما أشيع من ادعاءات حول البسط العشوائي على أراضي الحرم الجامعي، مؤكداً أن ما يجري من بناء في إطار الحرم الجامعي هي أراضي تم صرفها لأساتذة وأكاديميين في جامعة عدن بعقود تمليك، وتم منحهم تصاريح البناء وفقاً لأوراقهم الرسمية مدعومة بإفادة من السلطة المحلية بمديرية البريقة ممثلةً بمديرها العام د. صلاح الشوبجي ومدير مكتب الأشغال فيها مازن محمد عبدالعزيز وتوقيعهما على الإفادة.
وطالب المقدم الحالمي آنذاك، القيادة السياسية والسلطة المحلية ممثلة بمحافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس، بتشكيل لجنة برئاسة مسؤول الرقابة والتفتيش الأستاذ علي عبيد، للنزول إلى موقع الأراضي في الحرم الجامعي وفحص العقود للتحقق من صحتها ورسميتها
السلطة المحلية: شريك في الفوضى!
بدلاً من دعم حكم القانون، تبدو السلطة المحلية في مديرية البريقة شريكاً في تعقيد القضية. وهو أكدته الوثائق التي كشفها قائد وحدة حماية الأراضي المقدم كمال الحالمي، من إفادة السلطة الملحية بقيادة د. صلاح الشوبجي، على ملفات عشرات الأراضي التي تم صرفها في إطار الحرم الجامعي، بالإضافة إلى امتناع السلطة المحلية المتكرر عن إصدار تراخيص البناء لصالح المستثمر بن هادي، رغم توجيهات صريحة من المحافظ أحمد حامد لملس وأحكام قضائية.
يقول بن هادي أن السلطة المحلية "امتنعت عن إصدار التراخيص له تحت ذرائع واهية، وأنه اضطر إلى اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقه".
رسالة أوسع: ماذا عن هيبة القانون؟ تكشف هذه القضية عن أزمة عميقة في الالتزام بالقانون في مؤسسات يُفترض أنها قدوة في احترام العدالة. من المحبط جداً والمثير للاستغراب، أن مؤسسة أكاديمية عريقة كجامعة عدن تتجاهل أحكام القضاء وترفض الامتثال لها، متبعة نهجاً يوحي بالتمرد على السلطات القضائية. فجامعة عدن، بممارساتها هذه، تضرب مثلاً سيئاً لمؤسسات التعليم العالي، بينما تشير أفعال السلطة المحلية إلى فجوة في سيادة القانون على المستوى المحلي.
لكن، ثمة سؤال خفي يفرض نفسه عن النوايا الحقيقية من وراء كل ما تقوله به جامعة عدن، مالذي تسعى إليه إذن وتتكبد لأجله عناء الظهور بموقف هزيل يضعها في تصادم مباشر مع القضاء وكهيئة متمردة على أسس القانون وقيم العدالة؟
الحق أنها لا تروم الدفاع عن أراضي الحرم الجامعي أو حماية حقوق الجامعة ومكتسباتها كما تحاول إيهام الرأي العام في بيانها، بل يبدو أن هذا التصعيد يخدم غرضاً مستتراً وعميقاً؛ هو محاولة تحسين صورتها الملطخة بقضايا فساد ونهب واختلاس لا عداد لها تصل حد الاستيلاء غير المشروع على ممتلكات وحقوق الغير دون أدنى مبرر وبلا وجه حق. وهي بذلك تحاول بيأس الحفاظ على ماء الوجه، خصوصاً بعد بيع ونهب والاستيلاء على ما يقارب نصف مساحة الحرم الجامعي.
لكن القضية هنا ليست مجرد نزاع على أرض؛ إنها اختبار لمدى قدرة الدولة على فرض القانون وحماية حقوق الأفراد.
جامعة عدن والسلطة المحلية بالبريقة: في اختبار الاعتراف بالخطأ ومسؤولية تصحيحه! بين تصريحات متضاربة وحقائق موثقة، تبقى الحقيقة واضحة: الأرض المملوكة لحسين بن هادي شرعية بموجب الأحكام القضائية النهائية، بينما تتورط جامعة عدن والسلطة المحلية بمديرية البريقة في سلسلة من الممارسات التي تضعف مصداقيتها.
وإذا كان من دروس يجب تعلمها من هذه القضية، فهو أن احترام القضاء والالتزام بالشفافية هما السبيل الوحيد لترميم الثقة بمؤسسات الدولة. جامعة عدن والسلطة المحلية أمام مسؤولية تاريخية لتصحيح أخطائهما، قبل أن يتحول هذا النزاع إلى نقطة سوداء أخرى في تاريخ البلاد.