هزّت كارثة إنسانية مروّعة إقليم دارفور غرب السودان، بعد أن ضرب انزلاق أرضي هائل قرية "ترسين"، الواقعة في منطقة جبال مرة، خلال ساعات الليل الفائت، ما أسفر عن تدمير القرية بالكامل ومقتل أكثر من ألف شخص، في واحدة من أفدح الكوارث الطبيعية التي تشهدها المنطقة في العقود الأخيرة.
ووفق مصادر إعلامية، من بينها قناة "العربية"، فإن الانزلاق الأرضي، الذي يُعتقد أنه ناتج عن الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة مؤخراً، اجتاح القرية دون سابق إنذار، ودفنها تحت طبقة سميكة من الطين والحجارة، مما حال دون أي فرصة للهروب أو النجاة لغالبية السكان.
قرية كاملة تُمحى من على الخريطة
قرية "ترسين"، التي كانت تقع في قلب جبال مرة، اختفت بالكامل عن الوجود، بعد أن اجتاحها تيار ضخم من الطين والصخور، اجتاز التلال المحيطة بها بسرعة مهولة.
وبحسب التقارير الميدانية الأولية، لم ينجَ من الكارثة سوى شخص واحد فقط، يُعتقد أنه كان خارج القرية وقت وقوع الحادث، فيما يُرجّح أن جميع السكان الآخرين، الذين يُقدّر عددهم بأكثر من ألف نسمة، لقوا حتفهم تحت الأنقاض.
وقد أُعلن عن اختفاء كامل للسكان، مع غياب أي علامات على الحياة في موقع القرية، ما يثير مخاوف من عدم إمكانية استرجاع الجثث أو تقديم أي مساعدة للناجين، في ظل انعدام وسائل الاتصال والبنية التحتية في المنطقة.
نازحون فروا من الحرب ولقوا الموت في الكارثة الطبيعية وكان معظم سكان "ترسين" من النازحين الذين فرّوا من معارك الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية شمال دارفور، بحثاً عن الأمان في المناطق الجبلية النائية.
لكن الأمان الذي لُجِأ إليه تحوّل إلى مصيدة مميتة، حيث تعيش هذه المجتمعات النازحة في ظروف بالغة الصعوبة، تعاني من نقص حاد في الغذاء، والدواء، والخدمات الأساسية، وسط تدهور مستمر في الوضع الإنساني في دارفور.
وتشير التقارير إلى أن القرية لم تكن مجهّزة بأي أنظمة إنذار مبكر أو خطط طوارئ، ما جعلها عُرضة لأي كارثة طبيعية، خاصة في ظل تآكل التربة وتعرية الغابات بسبب قطع الأشجار من أجل الحصول على الوقود.
استجابة محدودة وسط عزلة جغرافية
تواجه الجهود الإنسانية صعوبات جسيمة في الوصول إلى موقع الكارثة، نظراً للعزلة الجغرافية لجبال مرة، وانعدام الطرق المعبدة، بالإضافة إلى التوترات الأمنية المستمرة في الإقليم.
وحتى الآن، لم تُسجَّل أي عمليات بحث وإنقاذ رسمية، ما يثير مخاوف من تفاقم الخسائر البشرية والمادية.
وقد دعت منظمات إنسانية دولية، منها الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوداني، إلى تدخل عاجل لتقييم الوضع وتقديم المساعدات الطارئة، محذرة من أن الكارثة قد تكون أوسع نطاقاً مما تم الإبلاغ عنه، خاصة مع احتمال وجود قرى أخرى تعرضت لأضرار مماثلة دون أن تُكتشف بعد.
نداءات لدعم دارفور في ظل تراكم الكوارث
تأتي هذه الكارثة في وقت تشهد فيه دارفور تدهوراً إنسانياً غير مسبوق، حيث يعيش الملايين في ظل نزاع مسلح مستمر، ونقص في المساعدات، وانهيار في الخدمات الصحية والغذائية.
ويشير الخبراء إلى أن تغير المناخ، والأمطار غير الموسمية، زادت من احتمالات وقوع كوارث طبيعية في مناطق كانت سابقاً مستقرة نسبياً.
وفي تعليق أولي، أعربت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن "الصدمة البالغة" إزاء الحادث، ودعت إلى "تعبئة سريعة للموارد الدولية لدعم المتضررين، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة بشرية".
ذكرى مأساوية تُضاف إلى سجل دارفور الدامي
تُعد كارثة "ترسين" واحدة من أكثر الحوادث المأساوية التي تضرب السودان في السنوات الأخيرة، وهي تُضاف إلى سلسلة من المصاعب التي يواجهها المدنيون في دارفور، من حرب، ونزوح، ومجاعة، وآن الأوان، بحسب ناشطين حقوقيين، لوضع حد لهذه الدورة المفرغة من المعاناة.
في الوقت الذي يُشيع فيه الحزن العميق في صفوف العائلات المحيطة، تبقى قرية "ترسين" تذكيراً مأساوياً بضعف التأهب للكوارث، وفداحة الثمن الذي تدفعه المجتمعات الهشة في ظل النزاعات والمناخ المتغير.