في مشهد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية وتهاوي الثقة الشعبية، تتواصل معاناة موظفي الدولة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ، مع دخول أزمة المرتبات شهرها الخامس دون أي بوادر للحل، بينما يواجه الموظفون النازحون عاماً كاملاً من الانتظار القاتل، وسط صمت حكومي مطبق وتجاهل فج لمعاناة عشرات الآلاف من الأسر التي باتت رهينة قرارات سياسية فاشلة وإدارة مالية مترهلة.
حكومة بلا حلول.. ومرتبات بلا أفق
توقعت مصادر اقتصادية مطلعة أن تؤجل عودة رئيس الوزراء سالم بن بريك من الرياض إلى عدن، بسبب استمرار أزمة السيولة وعدم التوصل إلى اتفاق مع البنك المركزي بشأن آلية صرف المرتبات. هذا التأجيل ليس الأول، بل تكرار لمشهد سابق في مايو الماضي، حين عجزت الحكومة عن تأمين دعم مالي عاجل، لتظل العودة مرهونة بـ"المال السياسي" لا بالإرادة الوطنية.
أين الإيرادات؟ ومن ينهبها؟
في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن صرف مرتبات موظفيها، تتدفق المليارات كرواتب لمسؤولي مجلس القيادة الرئاسي والوزراء والمستشارين، تُصرف بالدولار من خزائن الدولة المنهكة، بينما لا يُعرف مصير الإيرادات السيادية التي لا تزال خارج سيطرة البنك المركزي في عدن. فهل يعقل أن تستمر المحافظات والمؤسسات في الامتناع عن التوريد، دون محاسبة أو شفافية؟
البنك المركزي.. ذراع مشلولة أم شريك في الأزمة؟
البنك المركزي، الذي يُفترض أن يكون صمام الأمان النقدي، بات عاجزاً عن الإيفاء بأبسط التزاماته تجاه الموظفين، نتيجة غياب التنسيق مع الحكومة، واستمرار سياسة "تجفيف السيولة" التي تخنق الاقتصاد وتزيد من معاناة الناس. فهل يعقل أن تستمر هذه السياسات دون مراجعة، بينما تنهار القدرة الشرائية للمواطنين؟
فساد بلا رادع.. وشفافية مغيبة
بدلاً من مواجهة الفساد وكشف حجم الإيرادات ومصيرها، تنشغل الحكومة في اجتماعات لا تنتهي، وطلبات متكررة للمساعدات من الأشقاء والمانحين، دون أن تقدم أي إصلاحات حقيقية أو إجراءات ملموسة. أين هي تقارير الإنفاق؟ من يعرقل الشفافية؟ ولماذا لا يُكشف عن حجم الدعم السابق وكيف تم التصرف به؟
الدعم السعودي.. من النقد إلى المشاريع
بحسب تقارير اقتصادية، غيّرت السعودية طريقة دعمها للحكومة اليمنية، بعد تصاعد الشبهات حول سوء استخدام التمويلات السابقة، لتتحول من الدعم النقدي المباشر إلى تمويل مشاريع عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. خطوة تعكس انعدام الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الأموال، وتفضح حجم الفشل في ضبط الإنفاق.
عمق الأزمة
ورأى ماجد الداعري، الناشط الاقتصادي، في منشور له: أن "تعثر صرف الرواتب يعود إلى غياب التوافق بين الحكومة والبنك المركزي على آلية واضحة وشفافة، وهذا قد يؤدي إلى تعثر عودة رئيس الوزراء كما حدث في مايو الماضي."
وأضاف: "الحكومة بحاجة إلى إصلاحات هيكلية وضبط مالي فعال، والبنك المركزي بحاجة إلى دعم حكومي حقيقي لتنمية الموارد وسد فجوة العجز."
وعلق وفيق صالح، المهتم بالشؤون الاقتصادية قائلاً: "الأزمة الحالية تعكس غياب التوافق على آلية مالية شفافة، والحل يكمن في تبني إصلاحات صارمة لضبط الإنفاق وتحقيق الاستقرار النقدي."
وكشف الصحفي صلاح السقلدي، أن: "السعودية غيّرت طريقة تقديم الدعم المالي للحكومة اليمنية بعد تصاعد الشبهات حول سوء استخدام التمويلات، وأصبحت تصرف الأموال عبر مشاريع محددة لا نقداً."
وأكد أن "هذه الإجراءات حدّت من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك صرف المرتبات."
حكومة بلا رؤية.. وشعب يدفع الثمن
إن استمرار أزمة المرتبات، وتكرار مشهد تأجيل عودة رئيس الحكومة، يكشفان بوضوح أن الحكومة اليمنية لم تعد تملك أدوات الحكم ولا مقومات الإدارة، فالعجز لم يعد مالياً فقط، بل سياسياً وإدارياً وأخلاقياً، في ظل غياب أي خطة إنقاذ حقيقية، أو حتى اعتراف رسمي بحجم الكارثة.






