منذ ظهور فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بدأ الأطباء والباحثون حول العالم في دراسة أعراض المرض ومضاعفاته، وخلال الأشهر القليلة الماضية تم نشر مئات الأبحاث التي تسعى لفهم آلية حدوث المرض، وكيف يؤثر على الوظائف الحيوية في أجهزة الجسم، جنباً إلى جنب مع إجراء تجارب على اللقاحات التي يمكن أن تستخدم لمنع العدوى بالفيروس والأدوية التي يمكن أن تعالج المرض بعد حدوثه.
مازالت الأبحاث التي تحاول فهم تأثير مرض كوفيد-19 على أعضاء الجسم المختلفة في بدايتها، لكننا سنحاول في هذا المقال أن نستعرض كيف يؤثر مرض كوفيد-19 على أجهزة الجسم المختلفة طبقا للمعرفة المتوفرة في هذا المجال حتى الآن.
كما يعرف الجميع، يصيب فيروس كورونا المستجد الجهاز التنفسي بالأساس، لكن تركيزنا في هذا المقال سيكون عن كيفية وصور تأثير المرض على أجهزة الجسم الأخرى.
* الجهاز الدوري (القلب والأوعية الدموية)
هناك عدة صور لتأثر القلب والأوعية الدموية عادة في مرضى كوفيد-19، خاصة لدى المرضى الذين يحتاجون إلى الحجر في المستشفيات.
مبدئيا تمثل مشاكل القلب وأمراض الأوعية الدموية، كارتفاع ضغط الدم، وأمراض الشرايين التاجية أحد عوامل الخطورة لحدوث مضاعفات لدى هؤلاء المرضى. بالإضافة إلى ذلك، وجدت العديد من الدراسات أن هناك نسبة أعلى للوفيات في هؤلاء المرضي، بالمقارنة بمن لا يعانون من أمراض مزمنة.
لا يوجد تفسير محدد لحدوث هذه المضاعفات لدى مرضى القلب. إحدى النظريات تشير إلى أن الالتهاب العام الذي يحدث في الجسم في حالات كوفيد-19 الشديدة يرتبط بارتفاع كبير في مستوى السيتوكينات (وهي مجموعة من البروتينات تفرزها العديد من خلايا الجسم، خاصة خلايا المناعة، حيث تنسق استجابة الجسم ضد العدوى وتسبب الالتهاب). في الحالات الشديدة من مرض كوفيد-19، يفرز الجسم هذه المواد بصورة كبيرة لتتسبب فيما يسمى بعاصفة السيتوكينات، وهو ما يتسبب في حدوث أذى كبير للعديد من الخلايا والأعضاء (ومن بينها عضلات القلب)، وبعبارة أخرى، هذه المواد تفيد في حماية الجسم إذا تم إفرازها بكميات محددة، لكن عدوى كوفيد-19 تتسبب في إفرازها بشكل أكبر من اللازم، وهو ما يتسبب في ضرر للجسم بأكمله.
ليست هذه الطريقة الوحيدة التي تتضرر بها عضلات القلب بعد الإصابة بكوفيد-19، فالفيروس نفسه قد يتسبب في إيذاء هذه العضلات عن طريق تغيير طرق الإشارات الخلوية التي تمكن هذه الخلايا من القيام بوظيفتها، وهو ما قد يتسبب في حدوث ضرر كبير بها.
وقد يتسبب المرض أيضا في زيادة احتياجات الجسم من الأكسجين نتيجة الالتهابات المصاحبة للمرض، وبالتالي في زيادة العبء على القلب لتزويد الجسم بهذه الاحتياجات. بالتالي قد يحدث إجهاد وقصور في عمل عضلات القلب.
الطريقة الرابعة التي يمكن أن يؤذي بها كوفيد-19 القلب هي حدوث تمزق في الترسبات التي تحدث في شرايين القلب (هذه الترسبات تتسبب حين تتراكم في حدوث تصلب الشرايين) كنتيجة للالتهاب العام الذي يحدث في الجسد وإفراز بعض الهرمونات داخل الجسم. هذا التمزق قد يؤذي شرايين القلب بشدة، وبالتالي يتسبب في حدوث قصور في وظيفته.
هناك احتمالات أخرى، بعضها يتعلق بالأعراض الجانبية للأدوية التي يتناولها المريض كجزء من خطة العلاج (كالكورتيزونات ومضادات الفيروسات والأدوية المناعية)، وفي الأمراض الشديدة أيضا قد يحدث اضطراب في مستوى الكهارل (تشمل الكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم وغيرها)، والتي تلعب دوراً هاماً في تنظيم كهرباء القلب والوظائف العصبية، واضطراب مستوى هذه المواد الكيميائية قد يتسبب في اضطراب كهرباء القلب وعدم انتظامها، خاصة في المرضي الذين يعانون بالفعل من مشاكل في القلب.
لذا يجب على مرضى القلب والأوعية الدموية أن يكونوا أكثر حذرا، وأن يتبعوا إجراءات الوقاية من المرض بشكل أكثر دقة من غيرهم.
* الكلى والجهاز البولي
يتعرف فيروس كورونا المستجد على الخلايا عن طريق الارتباط بمستقبل يعرف باسم الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (Angiotensin-converting enzyme 2 (ACE2، وهذا المستقبل يتواجد بشكل أساسي في الرئة، وهو ما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، ولكن المستقبل لا يتواجد في الرئة وحدها، فهو يتواجد أيضا في تجويف الفم، وفي الأمعاء والأوعية الدموية.
فيما يخص الكلى، فقد أشارت دراسة حديثة إلى أنها تمثل أحد الأهداف المهمة لفيروس كورونا المستجد نظراً لوجود المستقبل أيضاً بها، وهو ما قد يجعلها عرضة لتأثير الفيروس بشكل مباشر، مما قد يتسبب في إصابة الكلى بشكل حاد.
قد تتسبب عاصفة السيتوكينات التي ذكرناها أيضا في حدوث ضرر للكلى.
وفيما يخص نقل الكلى، فالأدلة المتاحة تشير إلى أن احتمالات نقل الفيروس عن طريق نقل الأعضاء محدودة للغاية، ولكن على سبيل الاحتياط، يجب إجراء فحص لكل من المتبرعين المحتملين، كما يجب تأجيل عملية نقل الأعضاء من المتبرعين الذين يعانون من أعراض للتأكد من سلامتهم وخلوهم من فيروس كورونا المستجد.
* الجهاز العصبي
على الرغم من أن مشاكل الجهاز العصبي لم تتم دراستها بشكل مستفيض في الأبحاث حتى الآن، إلا أن هناك أدلة على أن بعض المرضى الذين يعانون من حالات شديدة من المرض كانوا يعانون أيضا من أعراض تتعلق بالأعصاب والجهاز العصبي المركزي.
أشارت إحدى الدراسات إلى أن الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 يتواجد أيضا في المخ والخلايا العصبية، وهو ما قد يجعل هذه الخلايا عرضة للإصابة بالفيروس.
دراسة أخرى أشارت إلى وجود أعراض تتعلق بالأعصاب في 25% من المرضى، وهذه الأعراض تراوحت من بسيطة إلى عنيفة، ولم تكن مؤثرة بشكل كبير في كثير من الأحيان. فبعض المرضى أصيبوا فقط بالصداع والدوار، وفي المقابل أصيب عدد محدود باضطراب الوعي، وجلطات مخية أو نزيف بالمخ، أو نوبات صرعية، لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات لم يتم فيها إجراء فحوصات متخصصة لفهم هذه الأعراض، كرسم المخ وفحص السائل النخاعي (وهو السائل الذي يتواجد داخل المخ والنخاع الشوكي من أجل الحماية والتغذية)، وهو ما يحد من القدرة على تفسير هذه الأعراض ويضعها في سياقها الصحيح.