أدرك أن غالبية النَّاس محبطون للغاية بسبب معاناتهم الحياتية اليومية ، فإين ذهبت أو جلست لا تسمع إلَّا كلمات ساخطة غاضبة من تصرفات القادة النافذين ، مجلس انتقالي وسلطة شرعية لا فرق .
فهذا يشكو وبحرقة من فقدان أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والطبابة والتعليم ، وذاك يحدثك عن فساد مهول في الضرائب والجمارك والمالية العامة ، ناهيك عن نهب منظَّم وغير مسبوق للمرتبات والعقارات والموارد العامة .
وثالث تجده غاضب من توريث الوظائف للأبناء والاقارب والموالين ، ورابع يلعن اليوم الذي خرج فيه للتظاهر ، وخامس يسرد لك قصته مع غلاء الأسعار وكيف أن مرتبه الضئيل لا يساوي مئة ريال سعودي ولا يفي بمتطلبات البيت ليوم واحد ..
قلة طفيلية قليلة تقف وحيدة في مواجهة طوفان من التذمُّر ، هذه الفئة تنافح من أجل البقاء في وظائف لا تستحقها ، تتشبث بالنواجذ كي يدوم الحال لها ، فالمرتبات والمكافآت بالريال السعودي ، والاستقطاعات الشهرية من مرتبات الجُند وصلت لملايين الريالات .
هؤلاء " صم بكم عمي فهم لا يعقلون ' ، لا يريدون سماع أي صوت يغرد خارج سربهم الزاخر بالعفن والفساد والمحسوبية ، أقل زعيم فيهم يمتلك اقطاعية من الحشم والخدم والأتباع والأقارب ، فأصغر قائد من هؤلاء لديه حضيرة من أقاربه ، على رأس ألوية وكتائب ومعسكرات .
يسطون على المخطط السكني بغمضة عين ، يتاجرون بأملاك الدولة ، يسرقون حقوق النَّاس عيني عينك ، وبلا أدنى احساس أو شعور بذنب ، يرقُّون ويوظُّفون الأبناء والأقارب والموالين في وظائف ودرجات رفيعة لا يستحقونها مطلقًا ، وبمخالفة صريحة وفاضحة لكل القوانين واللوائح.
الوزير يأتي بابنه وصهره وقريبه ، والمحافظ يكلِّف نجله أو شقيقه أو زوج ابنته بمهامه يوقع ويقر ويجتمع ويصرف ، والقائد يعيِّن بالجملة من أولاده وأقاربه وجيرانه ومعاريفه .
وتزيد المسألة كارثية عندما يصل التوريث إلى مؤسستي الجيش والأمن ، فهاتين المؤسستين أضحتا عبارة عن اقطاعيات عائلية وقروية تجعلنا نترحم على الاستعمار الذي ثأر الاباء والأجداد عليه .
كنَّا نشكو ونتذمر من ممارسات الرئيس الأسبق الجانح وقتها لتوريث السلطة والقوة لابنائه وأقاربه ، وإذا بنا جميعًا نشاهد التوريث في كل مؤسسة ووزارة وإدارة .
فأغلب الوظائف أضحت اليوم عرضة للتوريث ، القائد العسكري حين يموت أو يسافر أو يغيب يحل مكانه نجله أو شقيقه ، الوزارة أو المحافظة يستحكم بها الأبن أو الشقيق أو الصهير .
ظاهرة التوريث تمشي أمامنا بقدمين ويدين ، وبكل صلف وسفور وعنجهية تمضي وتكبر يومًا عن يوم ، وسنة بعد أخرى ، دونما تجد من يحاربها أو يقف في طريقها ولو مجرد الإقتراب ، فلقد تضخمت الظاهرة وصارت في كل مكان وناحية ، ولحد توريث المقابر والمنابر والمدارس وووالخ .
في المحصلة العبرة ليست بالخطب والشعارات وإنَّما في السلوك النزيه الملتزم بالقوانين والأنظمة المعمول بها ، فهذه القوانين واللوائح والتشريعات لم تأت من فراغ ، وإنما هي نتاج لتطور البشر وتحضرهم .
محمد علي محسن