كتب|| علي الحميدي الترياق
توقفت الشمس على قمة الجبل تلقي بشعاعها الذهبي وداعًا، السماء تذرف دموع الفراق، كان قطرات المطر وشعاع الغروب يخترقها، قطرات مطليه بالذهب، توزعت في وسط السماء سحب مبعثرة كأنها اضمدة وضعت على جراح السماء النازفة.
بعد منظر غروب الشمس الجميل تخلع الأرض قناعها الجميل، تبدأ ببطئ تظهر، وجهها العبوس خلف قمم الجبل تلوح أمواج صاخبة من السحب السوداء القاتمة، تكشر بسحب هائجة كالأمواج يتلو بعضها بعضًا، تزحف كتائب و جيوش تحتشد فوق رأسي، مد الظلام جناحه، نسيم المطر يفوح برائحتة في سكون الليل الموحش،يا الله كيف تحولت تلك الأجواء الجميلة إلى ليل غربيب يمد رواقه، والسحب تحجب السماء فلا طائر يطير، ولا نجماً يسير، ولا قمراً ينير.
الطير جاثمه في أوكارها، الهوام والسباع في مضاجعها، ضوء البرق يشق أسبال الليل الرثه هوزيم الرعد يحرك سكون الليل.
وأنا لازلت أرقُب الليل من نافذة غرفتي الصغيرة المطلية باللون الأبيض الناصع فراشي على زاوية الغرفه بجانب النافذة وعلى الزاوية الأخرى مكتبتي الصغيرة المتواضعه.
تبدأ الريح تهز أغصان الأشجار، تزداد الريح شدة، أوراق الشجر تتبعثر شرقًا، وغربًا كأنها فراش يتخبط في الهواء، ومضات البرق تضيء الأرض الغبراء والتراب يعلوا في الهواء مع الريح، الرعد يهزم يعود صدى صوته من الجبل كأنه أسد يزأر.
وأنا لا زلت على النافذة أرقبُ البرق يسري في السماء ويتفرع كأنه جذور شجرة عتيقيه مدت جذورها في السماء، منظر لا يوصف، يأسرني جمال تلك الومضات الساحرة التي تبعث في نفسي رأحة بحجم الكون، استنشق رائحة المطر و نسيم الطبيعة يتغلغل في أعماق روحي وتسري في دمي الحار برودة الليل وسكونة.
تبدأ قطرات المطر تغازل وجهي، تسيل من جبيني تتشبث برمش عيني تحاول الأمساك دون جدوى تسيل على الارض،تمتصها الأرض العاطشة بكل لهفة كأني أرها تتشوق لتحتضن المطر عناق وصل بعد طول فراق، وعلى هذه الحال حتى قاربت عقارب الساعة إجتياز الساعة الحادية عشر، وأنا بين فراشي وكتبي وبين النافذة، بين الفينة والأخرى اُطل من النافذة لألقاء نظرة وأخذ نفس عميق استشعر بها جمال الطبيعة.
وضعت كتابي على الرف أعد فراشي للنوم بعد إطلالة أخيرة من النافذة كي أنام وانا مطمئن،لكن الجو كان قاتمآ والريح تعصف بشدة والسماء محجوبة بالسحب المثقلة بالمطر، أغلق النافذة والريح تدفعها بقوة بالكاد أغلقتها و أستلقيت على فراشي و تدثرت بلحافي، الريح يصدر صفير بسبب ثقب في تحت النافذة لكي يخرج الماء الذي يتسرب إلى الداخل.
وابل من المطر يقرع زجاج النافذة والريح تزداد شدة، أتكور في الفراش مدثر باللحاف وكلما سمعت صوت الريح تعصف في الخارج، يتسلل الى قلبي راحة وشعور بالأمان، يغشى عيني النعاس و أخلد في نوم عميق.
لم أستيقظ إلا على أصوات العصافير، نهضت بكل نشاط إلى النافذة فتحتها لتتفتح روحي كوردة في ربيعها، الماء يغمر الجداول كأنها مرآة والشمس تنعكس عليها والطير بكل صنوفها منها من يحلق في الفضاء، ومنها من يتنقل بين أغصان الأشجار، جمال رباني لا تصفة الكلمات.