من المهم جدا ان ندرك أنه وإن امتلكنا الارادة السياسية لمحاربة الفساد فان القيادة السياسية لا تمتلك الخبرة والمعرفة الكاملة لكيفية محاربة الفساد بالشكل الأمثل والذي تكون نتائجه ايجابية ويتم تقليص الفساد حتى القضاء عليه كون هذا الموضوع فني بحت ويحتاج إلى متخصصين في هذا الجانب ولكن من المهم جدا ان تمتلك القيادة رؤية عامة واضحة لكيفية محاربة الفساد والخطوات اللازمة لذلك وما هي الأولويات التي يجب البدء بها ثم الانتقال الى ما بعدها. لاشك ان الجميع يعرف ان الفساد قد استشرى في المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة وانتقل الى المجتمع، لقد اصبح الفساد وبكل أسف هو الأساس والنزاهه هي الاستثناء. لقد كانت مؤسسات الدولة قبل ٢٠١١ وما قبل الانقلاب تعاني من الفساد ولكن بعد الانقلاب وانهيار مؤسسات الدولة وما لحقها من انهيار في الخدمات وفي الاقتصاد ظهرت قوى جديدة ولكل قوة متنفذين وتوغلت هذه القوى بشكل كبير وتسرب الكثير من أعضائها الى مؤسسات الدولة وتقلدوا مناصب كبيرة ( وهذا له اسبابه وظروفه المتعلقة بالحرب ) وأصبحوا جزء أساسي ومحرك رئيسي لمنظومة الفساد في الوقت ذاته تم اعادة تشغيل مؤسسات الدولة بالحد الأدنى والامكانيات المتاحة وفق رؤئ فردية واجتهادات شخصية من الأشخاص القائمين على تلك المؤسسات ونتج عن ذلك اختلالات هيكلية فوق الاختلالات القائمة وقرارات غير مدروسة، حدث كل هذا دون وجود جهة ناظمة مهمتها إعادة تفعيل المؤسسات وفق أسس ومعايير محددة وبطريقة متزنة، هذا كله ولّد بيئة خصبة للفساد إن لم يكن بقصد فهو بسوء ادارة وفهم رافق ذلك ازدهار سوق غسيل الأموال وتهريبها والاتجار غير المشروع وكذا أنشطة التهرب الضريبي والجمركي ودفع الايرادات وهنا يتداخل الفساد في المؤسسات الحكومية مع الغير حكومية . أضف الى ذلك عدم صلاحية المنظومة القانونية واللوائحية المعمول بها في مؤسسات الدولة وكذلك لوائح الرسوم والتي معظمها ان لم يكن كلها أصبح غير صالح للاستخدام وأصبح العمل به الآن هو الفساد بعينه فكيف يمكن تطبيق لائحة اعدت وسعر الدولار ١٢٠ ريال وقد أصبح اليوم ٢٠٠٠ ريال. في ضل هذا الوضع لم تكن المؤسسات الرقابية المعنية بمواجهه الفساد قادرة على ممارسة مهامها بالشكل المطلوب لسبب انها لا توجد الظروف المناسبة والمتطلبات الضرورية لقيامها بمهامها ويكفي أن هذه الجهات استطاعت الحفاظ على وجودها وحياديتها واستقلالها ولم تقبل ان تكون أداة بيد ايا كان خارج المناهج والاساليب الحاكمة لعملها. لقد أصبح الفساد مستشري ومتشابك الأمر الذي يحتّم على القائمين على عملية مكافحة الفساد أن يمتلكوا رؤية واضحة لكيفية محاربة الفساد أو لنقل لخطة استراتيجية لمحاربة الفساد تنطلق من تقييم حقيقي للواقع تحدد نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات وتعمل على تعزيز وخلق نقاط القوة وتقليص نقاط الضعف والاستفادة من الفرص لتجاوز التحديات ومن ثم وضح أهداف واضحة ومؤشرات قابلة للقياس وفق برنامج زمني محدد. إن الفساد اليوم اكبر من نهب او اختلاس أموال الدولة والاستيلاء عليها كما انه لم يعد محصورا في جهة معينة، لقد أصبح منظومة متشابكة ومتجذرة وأصبح لديه شبكة طويلة من المصالح ولذلك فإن محاربة الفساد أكبر بكثير من إحالة عشرات او مئات الفاسدين الى القضاء وهذا يجعل من الضرورة أن تكون عملية محاربة الفساد عملية متكاملة وشاملة وفق رؤية واضحة تأخذ مداها الزمني وانتشارها المكاني وبأولويات محددة ومجدولة تؤدي في النهاية الى محاصرة الفساد واجتثاثه واستعادة مؤسسات الدولة مع التقليل من الأضرار الجانبية وردات الفعل تجاه هذه العملية.