عدنان الكاف
عدنان الكاف

تعاقب أجيال.. أم تزايح وإقصاء أجيال!

ذات مرة استوقفني أحد أبناء الجنوب المغتربين منذ سنوات طويلة، وسألني باستغراب عن الكوادر الجنوبية السابقة أو المعروفة وسبب اختفاءها عن تولي مهام الإدارة في عدن والجنوب؟!. وأضاف هل ماتوا جميعاً أم هاجروا أم أتت سفينة وأخذتهم إلى حيث لا نعلم؟!.

وجدتُ نفسي، لدي ذات السؤال!. فعلاً أين ذهبت كوادر دولة الجنوب السابقة_خاصة المتوسطة أو بلغة الإدارة التكنوقراط_ التي تقول السردية القائمة أنها تريد استعادتها ولكن يبدو بدون هؤلاء الكوادر!. 

فإذا فرضنا أن الوحدة قامت في 1990 وكان لدينا حينها كادر وظيفي متخصص ومؤهل يبلغ من العمر بين 25- 30 عاماً؛ ووفقاً لذلك فإن متوسط أعمارهم حاليا في أوائل الستينات. وهذا عُمر يمثل قمةالنضوج والخبرة المتراكة. فأين هم؟.

الإجابة ببساطة، وبدون تعقيد هم في البيوت، هم في المهاجر، تم إزاحتهم وإقصاءهم مرتين المرة الأولى بفعل الغازي الخارجي في 1994، والمرة الثانية الأكثر ألماً بعد تحرير الجنوب في 2015، والمستمرة حتى يومنا هذا.

ليس من المعقول، أن يتم القفز على استحقاقات أجيال بكاملها من أبناء الجنوب في الوظيفة والإدارة العامة بهذا الشكل الذي يحدث. 

وبدلا من الاستفادة من تلك الخبرات يتم تصعيد أجيال تحت عنوان "التشبيب"، على حساب أصحاب الخبرة والكفاءة. ومما يؤسف له أن ذلك "التشبيب"، تصاحبه تزوير للشهادات من جامعات مُعتبرة وغير مُعتبرة، وفبركة للسير الذاتية التي يمكن لجوجل أن يكتشفها بسهولة، ولكن لا يكتشفها من يجب عليهم اكتشافها (ربما لأنهم من العينة او النامونة ذاتها).

اليوم تم إزاحة أجيال بكاملها، للحد الذي ترى شاباً جنوبياً مواليد الثمانين وهو يائس ومحبط لأنه يشاهد مواليد التسعينات أصبحوا في قمة الهرم في الإدارة والسياسة، بدون وجه حق. فكيف الحال بمواليد السبعينات أو الستينات (راحت عليهم رسمي!).

قد يجادل البعض بأن هذا ليس إزاحة للأجيال، وإنما تعاقب بديهي وضروري، ومهم لإعادة الهيكلة أو إعادة تشكيل درجات الوظيفة العامة. ويبدو هذا المنطق صحيحاً عندما يكون التعاقب من الأسفل إلى الأعلى مشروطاً ببذل القدر المناسب من الجهد واتخاذ القرارات بالاستناد لفهم الأساس المنطقي وراء كل وظيفة يتم اختيار الشخص المناسب لشغلها. وما يحدث بالتأكيد لا يمت بصلة لذلك. فما يحدث ليس انتقالاً أفقياً ضمن نظرية توافد الأجيال إلى العمل العام، وإنما قفز عمودي على الوظيفة العامة والتخطي على استحقاقات الآخرين بدون حتى المرور بما يُسمى في السياسة والإدارة بنقل المعرفة.

لذلك، فإن إقصاء الأجيال ليس مرتبطاً لا بالتحديث ولا حتى بالتشبيب، وإنما مرتبط باصطناع ولاءات، عبر اختيار وتعيين عناصر، لم تكن تحلم لا في يقظتها ولا في نومها أن تكون شيئاً مذكوراً.

 

عدنان الكاف