ياسر الفرح
ياسر الفرح

ليلة باردة.. وتحاليل ساخنة

كانت ليلة كأي ليلة، نجتمع فيها كأصدقاء  نتبادل أطراف الحديث، ونثرثر بمواضيع مختلفة ، حتى تحوّل الحوار إلى سرد قصتي مع القدر، حين غادرت إحدى الدول العربية قبل ساعات فقط من قصفها وإغلاق مجالها الجوي. أخبرتهم كيف أنني كنت في لقاء مع أحد القيادات المجتمعية لذلك البلد الذي كنت ضيفاً فيه، والذي ذهبت لوداعه، فقال لي بنبرة جادة: "عَجِّل بالخروج إن استطعت". كان الرجل يعرف شيئاً ما، وكأنه يملك مفاتيح الزمان والمكان. وغادرت.. وبعد ساعاتٍ فقط، سمعنا دويّ القصف.  

* حين يتحول الأصدقاء إلى "محللين سياسيين"   وكما هو الحال في أي تجمع للمواطنين العرب، سرعان ما يتحول الحديث الودي إلى ساحة معارك فكرية. الجميع يتحول فجأة إلى خبير استراتيجي، كلٌ يملك نظريةً أكثر إثارة من الأخرى، والخلافات تتصاعد حتى ينتهي اللقاء بفراقٍ متوتر، بعد أن دخل الجميع أصدقاءً، وغادروا متفرقين.  

* تحليلي باختصار: "لعبة الكبار ومصير المنطقة"   لم أستطع كتم ما يجول في خاطري، فقلت باختصار:   توازياً مع عملية عرقلة البرنامج النووي الإيراني بضرب منشآته وعلمائه، ستعمل الآلة الصهيوأمريكية على تصفية القيادات السياسية والعسكرية التي تراها متشددة، لتحل محلها قيادات أكثر انسجاماً مع مصالحها. الهدف؟ إعداد إيران لدور جديد في المنطقة، بعد "تهذيب" طموحاتها النووية والإقليمية، لتصبح بديلاً مُداراً للكيان الصهيوني، الذي بات عبئاً على الغرب بعد أحداث 7 أكتوبر التي كشفت زيف ادعاءاتهم للعالم، و لشعوبهم التي خرجت في الشوارع والجامعات تندد بدعم إسرائيل وحماقات نتنياهو، الذي هرب من محاكماته إلى حروب لا نهاية لها. 

وكان متوقعاً أن ترد إيران، ولو برد فعلٍ محدود، لحفظ ماء الوجه بعد ضرب منشأتها النووية . وهذا ليس بضعف قدر ماهو حسن تقدير للموقف والقدرات.  والسؤال الذي يطرح نفسه ،  هل ترضخ ايران لهذا المخطط ؟ و اي حروب سيختلق نتنياهو ليهرب اليها؟ واين غزة من كل هذا؟  صعب التنبوء بكل هذا!  لا أملك "نظرية المؤامرة" جاهزة في جيبي!  قلت لهم.

*هذه هي حياتنا كعرب، نعيش على هامش التاريخ، ونحلله بمرارة من يعرف أنه جزء من اللعبة، لكنه لا يملك تحريك القطع. نضحك، نتحاور، نختلف، ثم نعود إلى واقعنا.. ننتظر الفصل التالي من المسرحية، ونحن نعلم أن السيناريو كُتب بيد غير أيدينا. لكننا، ورغم كل شيء، نحلم بتغييره.

ختاماً: ليس حين تكون مواطن  عربي يعني أن تفهم اللعبة قبل أن تُلعَب!   بل؛ "حين يصبح فهمك للواقع تجاوزاً .. وحريتك تطاولاً.. وحقوقك خروجاً.. فاعلم أنك مواطن عربي أصيل."**