محمد علي محسن
محمد علي محسن

ألا يمكنكم قول " كفاية " !! 

إن "كفاية" ليست مجرد لفظة تُقال، بل هي صرخة تنبع من أعماق الضمير، من جرحٍ ينبض في قلب كل من آمن بالوطن والحرية والعدالة . 

لقد طال الصمت، وطالت الخيبات، حين اختفت الأصوات التي كانت ترفع راية الحق ، وتلملم شتات الأحلام، وتحمي أمل الأجيال القادمة.

 

كم نحن بحاجة لإيقاظ أولئك الحيارى التائهين في جزر الإغتراب والعزلة السياسية والحياتية ، اولئك الذين نحسبهم قريبين إلينا أو مسؤولين عنا وهم في الحقيقة يعيشون في كوكب آخر نجهله .

 

اولئك الذين يتوجب تذكيرهم بأن أمانة المسؤولية عظيمة، وإن التاريخ لن ينسى لهم خيانة هذه الأمانة ، فصوت الحق يجب أن يعلو على ما سواه من أصوات النفاق والانتهازية والزيف والجزع .

 

مُثْخنُ بالحسرةِ من صمتِ من تبقَّى من رجالنا المناضلين ، لستُ أعمّمُ ولكنني أقصدُ أولئك الذين تشبثوا بالحياة، سواء أكانوا من الرعيل الأول أو الثاني أو الثالث ، 

لم يعد للموقع أهمية بقدر أهمية شجاعة الاعتراف بالخطأ والعودة إلى جادة الصواب. 

 

كان بإمكانهم أن يُعَدِّلُوا إيقاعَ واقعٍ ساخطٍ ، يغوصُ في غضبٍ عاصف . كان بمقدورهم تهذيبُ صخبِ الخطاب. كان بوسعهم توجيهُ ربابنة هذا العهد العبثي المشوَّه.. كان مُتاحًا لهم أن ينصحوا، أن يقولوا كلمةً واحدةً لا غير: "كفاية " .

 

كان بمقدورهم فعلُ الكثير لو أنهم ما زالوا أمناءَ على بلدٍ، وعلى تاريخٍ، وعلى شعبٍ تخلّوا عنه وراء ظهورهم، فساروا غير مكترثين بأن عجلةَ الزمن تدور بنا وبهم، وبأن الإنسان لا يُقاسُ بسني عمره، بل ببصمات فضائله وأفكاره في وجدان الأجيال ، وبما يُسجِّله التاريخُ في سفره من مواقفَ مشرفة .

 

فَمَا أَقْسَى فَقْدَ الْقُدْوَةِ والريادة فِي زَمَنٍ خلى مِنَ الْحِكْمَةِ! فَضْطَرِبُ الْمِيزَانُ، وَألتبس الْحَقُّ ، وطغت الرَّغَبَاتُ الذاتية عَلَى الْمَبَادِئِ، وذُبح العقلُ على مذبحِ الهوى والعصبية ، وكشَّرت الضغائن أنيابها مغشية العين من رؤية مصلحة الوطن وتطلعات ابنائه .

 

وإذا بالغضبِ يُتَّخذُ طريقًا لغايةٍ وطنية، وبالوطنِ يُختزلُ بلوحة إعلانيةٍ يتربعُ على منصتها التافهون وجهلة القوم ، يتباهون بتفريطهم في كلِّ ما تبقى من إرثنا الذي طالما زهونا به ، ومن مواقفَ تشرئبُّ لها الأعناقُ إجلالًا ؛ فها أنا - كغيري - أرقبُ وانتظرُ صوتًا واحدًا خارج سرب الغوغاء صادحًا : "كفاية ".

 

كان حريًّا بمن بقيَ من أتباع رجال الثورة والدولة أن يُطلقوا ولو صرخةً واحدةً: "أيها الأبناء الميامين ، يا صغارنا الاعزاء ، توقفوا عن تمزيق الممزَّق ، نحن حَمَلَةُ قيمٍ ومبادئَ وقناعاتٍ وطنيةٍ عادلة، إنكم قادةٌ ومحاربون أشدَّاء، لكن في معركةٍ خاطئةٍ لا تليق بكم ولا بنا".

 

وخلاصةُ الأمر، لطالما انتظرتُ بلهفةٍ أن أرى قادةَ الحاضر وهم يستلهمون نضالات وتضحيات الأوائل، ويعيدون قراءةَ تجربةِ القادة العظام . نعم، كنتُ أتطلعُ إلى مراجعةٍ صادقةٍ، وتصحيحٍ للمسار، ويقظةِ الحكمةِ من سباتها العميق.

 

كنتُ أتوقُ إلى مناضلين ناضجين، حملوا على عاتقهم أمانةَ أحلامنا، اتباع وأصحاب وورثة قادة وتاريخ طالما حسبناهم دعاة حقٍ ومبدأ، لكنهم - للأسف - توارَوا خلفَ صمتهم .

أو أنهم فضَّلوا مساومة حاضرهم نظير تخليهم عن ماضيهم ، فبدت وجوههم لا تشبه اسماءهم ، وتجلت أفكارهم ضيقةً أنانيةً لا تنتمي مطلقًا لتاريخهم أو أن لها صلة بما نروم إليه من دولة عادلة وقوية ومستقرة .

 

فبدلاً من أن يكونوا بوصلة قيادة ، ومنارةَ هدىً تُضيءُ دربَنا المعتم ، أصبحوا تابعين، بلا هويةٍ واضحة، ولا رؤيةٍ ثاقبة، ولا موقفٍ شجاع، فتحولوا - في نظرنا - إلى مأساةٍ إنسانيةٍ إضافية في خضمِّ كارثةٍ عظيمة تفتكُ بنا جميعًا .

 

محمد علي محسن