بعد أكثر من أربعة عقود من الحروب والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، بدأت أفغانستان في السنوات الأخيرة ترسم ملامح مسار اقتصادي جديد يثير اهتمام المراقبين الإقليميين والدوليين. فقد كانت البلاد لعقود ساحة صراع بين قوى كبرى، من الاتحاد السوفيتي وصولاً إلى الولايات المتحدة التي أنفقت ما يزيد عن تريليوني دولار خلال أطول حرب في تاريخها، قبل أن تنسحب عام 2021 تاركةً خلفها كميات ضخمة من العتاد العسكري. وعلى الرغم من الانقسام الدولي حيال حكومة طالبان – سواء على المستوى السياسي أو الفكري – فإن المؤشرات الاقتصادية في الداخل الأفغاني تكشف عن تحولات لافتة. فخلال أربع سنوات فقط، أعلنت الحكومة الأفغانية سداد كامل ديونها الخارجية، وأطلقت حملة واسعة لمكافحة زراعة الأفيون، التي مثّلت لعقود العمود الفقري لاقتصاد الحرب. وفي المقابل، جرى توجيه الموارد نحو الزراعة النظيفة، ما جعل البلاد تتحول تدريجياً إلى مصدّر للفواكه والخضروات إلى الأسواق المجاورة. اقتصادياً، تسعى كابول إلى تنويع مصادر دخلها عبر فتح ملفات الاستثمار في الطاقة والمعادن، حيث بدأت خطوات عملية في مجال التنقيب عن النفط بالتعاون مع الصين. كما أُنشئت سوق مركزية إقليمية للتبادل التجاري، في خطوة تهدف إلى ربط أفغانستان بجيرانها وتعزيز دورها كممر اقتصادي. وإلى جانب ذلك، وقّعت الحكومة اتفاقات اقتصادية مع روسيا، في انعكاس لتبدّل التحالفات ورغبة كابول في بناء شبكة شركاء جدد. وعلى المستوى الدولي، يبرز الحديث عن احتمالية انضمام أفغانستان إلى مجموعة "بريكس" بقيادة الصين، وهو ما قد يمنحها موقعاً أكثر فاعلية في النظام الاقتصادي العالمي، ويعزز موقعها كلاعب اقتصادي ناشئ في آسيا. هذه التطورات لا تعني أن الطريق مفروش بالورود، فالتحديات ما زالت قائمة، بدءاً من البنية التحتية المحدودة، مروراً بضعف المؤسسات المالية، وصولاً إلى القيود السياسية التي تعيق الانفتاح الكامل على المجتمع الدولي. غير أن المسار الحالي يشير إلى أن أفغانستان – بعد أن كانت رمزاً للحرب وعدم الاستقرار – قد تكون في طور التحول إلى اقتصاد صاعد بصمت، يحاول أن يجد مكانه في الخريطة الاقتصادية الجديدة للمنطقة.