عبدالرب السلامي
عبدالرب السلامي

أحداث السودان.. وقراءة في عمق مشروع الفوضى الخلاقة

ما يحدث في السودان لا يمكن فهمه بمعزل عن المشهد الإقليمي الأوسع. فسقوط مدينة الفاشر في يد مليشيات "دقلو" سبقه سقوط عواصم ومدن عربية بيد جماعات مسلحة مماثلة.

 

قد تختلف درجات العنف، وقد تتباين الشعارات المرفوعة لتبريره بين: طائفية، وعرقية، وهويات ما دون وطنية. لكن المضمون واحد: تفكيك الدولة، وإحلال المليشيات محل الجيش النظامي، واستبدال المؤسسات الدستورية بسلطات أمر واقع، يتزعمها حمقى مطاعون تديرهم أصابع من الخارج!.

 

من الصومال إلى العراق، ثم سوريا واليمن وليبيا، وأخيرا السودان، تكرر نفس السيناريو، ما يؤكد أننا أمام مشروع ممنهج، ولسنا إزاء حوادث محلية منفصلة. 

 

إنه مشروع الفوضى الخلاقة في أوضح تطبيقاته (راجع تعريفات هذا المصطلح كما جاءت على لسان منظريه، وتأمل علاقته بمفهومي الشرق الأوسط الجديد وإسرائيل الكبرى) 

 

وهنا يبرز السؤال: ما هي الصورة الأخيرة لهذا المشروع، هل هي التقسيم الكامل ونشوء دويلات جديدة على الخريطة، كما حصل في سايكس بيكو الأولى، أم هناك مشهد مختلف؟

 

من معطيات الواقع، ومن قراءة ما صدر عن منظري "الشرق الأوسط الجديد"، يتضح أننا أمام مشهد هجين، لا هو بالتقسيم الكامل ولا بالوحدة المستقرة. 

 

خلاصة الصورة: دولة موحدة في الخريطة الدولية، لكنها مجزأة في الواقع الداخلي إلى كنتونات متنازعة، تفصل بينها حدود من الدم والكراهية العنصرية والعزلة الشعورية، فلا هي بالأقاليم الفيدرالية الدستورية ولا بالدول المنفصلة المعترف بها.

 

لقد مثلت الصومال نموذجا مبكرا لهذا السيناريو، ولا زالت تعاني منه منذ خمسة وثلاثين عاما، وللأسف لم يتعظ أحد بها. وبالمقابل تمثل سوريا الثورة بارقة أمل للإنعتاق منه، وهي بارقة محفزة، رغم ما يعتريها من مخاطر. 

 

أما اليمن وليبيا والسودان، فلا زالت في قلب الأزمة؛ تكابد وتجاهد بين النموذجين؛ إما النجاح في استعادة الدولة وإسقاط أدوات الانقلاب والتمزق، أو الذهاب في سيناريو الفوضى إلى منتهاه. الأمل بالله كبير، و"لله الأمر من قبل ومن بعد".