من المغالطات التاريخية عند الحديث عن دورات العنف التي حصلت في اليمن الجنوبي سابقاً هو الزعم بأنها صراعات أيديولوجية !! وكأن الجنوب كان يعيش في مناخ فكري وسياسي تعددي، أو أن قيادات الأطراف المتصارعة كانوا من المتعلمين وحملة الشهادات العليا في الفكر والسياسة ..!! بينما ماحصل كان صراع على السلطة دعمته وغذته أطراف خارجية مستغلة حالة الجهل وقلة الخبرة والتجربة لدى قيادات تلك المرحلة والذين لم يؤمنوا بتعددية سياسية أو حرية ديمقراطية بل كان كثير منهم مسكونون بالمناطقية والعقلية الاستحواذية ..
بعد تحقق الوحدة اليمنية في عام 90 أضيف منجز ثالث توج نضالات الشعب اليمني إلى جوار الجمهورية والوحدة وهو النظام الديمقراطي والتعددية السياسية، والذي برغم الاستخدام السيء له من قبل النظام الا أنه كان تجربة فريدة في المنطقة العربية أسست لمناخ من الحرية أتاح للصحافة الحرة وللمنظمات الحقوقية الحضور بشكل جيد، بل ولعل من أبرز إيجابياته غياب لغة القوة والرصاص عند الاختلاف فيما بين الأحزاب السياسية ..
تحررت مدينة عدن في عام 2015 وتم طرد المليشيات الانقلابية منها وكان المنتظر عودة الدولة ومؤسساتها، ومن أهم المظاهر المفترضة لذلك هو عودة الأحزاب السياسية لممارسة نشاطها والتي في حال غيابها يكون البديل حضور المناطقية والقبلية والملشنة. ولكن مع الأسف كان التوجه لذوي القرار والنفوذ هو إسناد الأمور وفق طريقة خاطئة أفضت بالنهاية للعودة للمربع القديم مربع دورات العنف المناطقية بدلاً عن إسناد المهام والأعمال في الدولة وفق المرجعيات للمكونات السياسية لتتحمل مسئوليتها ويعرف الشعب أين يكمن الخلل بالضبط ..
إن الحل اليوم للخروج من دوامة المناطقية القاتلة في الجنوب وتحقيق السلم والاستقرار لليمن عموماً هو أن يكون العمل لإعادة مؤسسات الدولة قائماً على أساس سياسي بناءً على الكيانات السياسية المتواجدة بالساحة والتي تتلاشى من خلالها النعرات المناطقية والقبلية، والجنوب فيه من التعدد والتنوع اليوم مايمكن أن يساهم في إيجاد حل مستدام بعيدا عن لغة الانفراد والإقصاء والاستقواء بالخارج .