أحزنتني قصة شاب جنوبي اسمر نحيل ترتسم على محياه،احلام جيل منهك وتضاريس بقايا وطن مدمر وتبرق من عينيه أمنيات شعب مكلوم يحلم بلحظة انعتاقه وساعة اشراقة ميلاد دولته الحلم، بعد ان استوقفني أمام مطعم زكوا وناداني من وسط الناس في ذلك الشارع المكتض بالمتسوقين بكريتر مساء أمس، بينما كنت أسير منهمكا بخيالاتي وغارقا في هموم وطن لا تنتهي، وطلب مني بكل أدب جم واحترام، منحه فرصة طرح سؤال على، بعد ان خاطبني باسمي وسلم على بكل احترام وقال أنه يتابع كتاباتي ومن أكثر المعجبين بشجاعة ما اكتب بتجرد مهني وانتقاد لاخطاء الجميع دون انتقاء او محاولة تلميع وانتفاع. فاصطحبته إلى جوار سيارة على جانب الطريق، وقلت له تفضل على الرحب والسعة يارفيق سنوات النضال الجنوبي العجاف في ركب الحراك الجنوبي المقدس. ابتسم لي متهللا من أعماق قلبه بعد ان أدرك أنني عرفته من ملامح الحرمان البادية على ملامحه وقال:اشكر بساطتك استاذي ووفاءك لأصدقاء دربك قلت له بلاش استاذ.. انا صحفي مواطن مسكين كما تراني امامك.. اعيش بين هذا الشعب المطحون بالازمات ومختلف النكبات واعاني كل ما يعانيه الجميع من حر وغلاء وانهيار واوجاع لا تنتهي، ولذلك اكتب من وسط هموم الناس ومعاناتهم وليس تكهنا وتزلفا من غرف فندقية خارج البلد كثيرين غيري ممن يتخذون الصحافة مصدر رزق وعيش رغيد ووسيلة تكسب في مدح هذا والتطبيبل الاجوف لذاك. فقال ولذلك تجدنا نصدقك ونحترمك َونثق والله فيك وبماتكتب وهذا ما دفعني محرجا اليوم لاستيقافك وتوجيه سؤال يدور في دماغي ودماغ الكثيرين من زملائي ورفاقنا في الحراك الجنوبي وساحات النضال السلمي وكذلك ميادين وجبهات الشرف والبطولة. قلت له خير.. اسأل وبإذن الله أملك لك المعلومة التي تكفي لتقديم إجابة صادقة شافية وافية. فقال: هل يضمن إتفاق الرياض للجنوب حقه في الاستقلال واستعادة تقرير دولته الجنوبية؟ تسمرت في مكاني مصدوما والله وعدت لتأمل وجهه المسيميري الشاحب وتفاصيل السمرة الداكنة على جبينه ولحظة استشراقه للإجابة والكثير الكثير من ملامح الحيرة َوالدهشة المرتسمة في نظرات عينيه.. حاولت أن ابتسم له عل وعسى ان أنجح في إعادة اي تباشير للامنيات المحتارة على شفتيه وهو يحاول ان يسكب الف علامة سؤال وسؤال على مستقبل أحلامه الجنوبية المتعلقة باتفاق الرياض. قلت له:وماذا قيل لكم قال:أن الاتفاق مقدمة لذلك. قلت له، طالما وقد بدأ بمنح الإنتقالي الجنوبي كمثل عن الجنوب حق تعيين محافظ ومديرأمن لعدن فالامور طيبة بإذن الله، ونتمنى أن نتمكن من البناء على ذلك للسير نحو الهدف الوطني الأكبر والجامع المتمثل باستقلال الدولة الجنوبية التي نحلم بها منذ ماقبل انطلاق ثورة الحراك السلمي الجنوبي عام ٢٠٠٧. ولكن كبنود للاتفاق ياصديقي لا شيء يضمن استقلال الجنوب وإنما حكومة وحدة يمنية مناصفة في الحقائب الوزارية بين الشمال والجنوب إلى أن يرحل التحالف وتتوقف الحرب او يتفقوا مع الحوثي سيكون للجنوب بعدها جولات نضال مرثونية جديدة في سبيل الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية المنشودة. اتكأ بيده على مقدمة السيارة في محاولة منه لتفهم واستيعاب ما سمع ثم بدأت ملامح انكماش وتجمد تتكور في ملامحه غير مصدق ان إتفاق الرياض الذي يصارع الإنتقالي لتنفيذه لا يمنح الجنوب اي استقلال، ففضلت ان لا أزيد صدمته أكثر بإضافة بعض تفاصيل الانسحاب العسكري ودمج القوات الجنوبية وفق إتفاق الرياض. وقبل ان يتصرف قال لي منكسرا : ياخي والله تعبنا وجعنا وجرحنا ومايزال أكثر من عشرة من اصدقائي بقريتنا فقط يبحثون عن علاج لجراحهم في جبهات تحرير الجنوب ويعيشون اليوم أمنيات قرب استقلال الجنوب وإعادة دولته وفق إتفاق الرياض ولا أدري الآن كيف سيكون وقع الحقيقة عليهم. حاولت طمأنته، قبل انصرافه، ان الامور مبشرة والي خير بإذن الله،وأن الجنوب كاسب من إتفاق الرياض مهما كانت التعقيدات وان العبرة في تنفيذه وقبول الشرعية به كأمر واقع نتيجة فشلها وفسادها وعجزها عن إدارة دولة أو تقديم اي خدمات وطنية والقيام بأي مهام وواجبات تجاه الشعب، لكنه كان على قناعة أخرى تتعلق بصدمته من أن الاتفاق لم ينص على استقلال الجنوب كما كان يتوقع هو وأصدقائه والكثير من الشعب الجنوبي حتى اليوم. انصرف الشاب من امامي وعدت لمواصلة مشواري وانا أتساءل في قرارة نفسي:كم سيبقى هذا الشعب في معاناته ياترى والي متى تفيق القوى السياسية من اجرامها بحقه وتعود لضميرها الوطني، كي تدرك حجم معاناته وجوعه وتصحر أمنياته وجفاف احلامه الوطني وقلت لنفسي لعل القادم خيرا لليمن ككل وللجنوب بشكل خاص ولعل الاتفاق نهاية مرحلة عسيرة وصلت فيها معاناة الشعب حد حرمانه من مرتباته وأهم خدماته الأساسية. #هل_يضمن_اتفاق_الرياض_استقلال_الجنوب #ماجد_الداعري