السؤال ليس مجازياً بل إنه سؤالٌ حقيقيٌ ومباشرٌ للسادة رئيس وأعضاء مجلس القيادة، المكلفين بقيادة اليمن وهزيمة المشروع الحوثي.
من الواضح أن القيادة الجديدة لن تقود الدولة اليمنية من أية محافظة شمالية فلا مديريات تعز (المحررة) تصلح كعاصمة ولا مديريتي مأرب التين تقعان تحت تصرف "الجيش الوطني" ولا مديريات الساحل الغربي التي بيد قوات "المكتب السياسي" تصلح كعاصمة، وهناك عاصمة مؤقتة محرومة من أبسط مقومات الحياة الضرورية التي تحتاجها قرية نائية في أقصى أرياف أي دولة فقيرة نامية ومنها ستدار البلاد.
فكيف سيدير القادة البلد من عاصمة بلا كهربا ولا مياه شرب ولا وقود لتحريك عجلة الحياة ولا خدمة طيبة تساوي ما كان ذات يوم في مركز صحي ريفي في منطقة نائية ولا تموين، مع وجود جيش جرار من الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين بلا رواتب منذ قرابة العام وبعضهم أكثر من ذلك؟ لا أحد يعلم.
أيها السادة!!
تذكروا أنكم متجهون إلى عاصمة كانت أول مدينة في الجزيرة والخليج تعرف شبكة مياه الشرب النقية عبر حنفية المنزل وشبكة الصرف الصحي، وأول مدينة في شبه الجزيرة العربية عرفت الكهرباء التي لم تكن تنقطع ولو لخمس دقائق إلا عند إجراء الصيانة والتحديث، وأول مدينة عرفت المستشفيات والمراكز الصحية وقدمت العلاج مجانا للسكان في كل الجزيرة والخليج.
تذكروا أن هذه المدينة تعرضت للغزو مرتين ومحاولة غزو ثالثة وبعضكم كان شريكا في المرتين وفي المحاولة، وبمعنى أخر أن المدينة التي ستذهبون إليها كان بعضكم من المساهمين في تدميرها وإيصالها إلى مستوى إحدى القرى البدائية، فكيف ستقابلون أهل هذه المدينة، وما جاورها، وكل الجنوب والجنوبيين الذين هي عاصمتهم وأيقونة تاريخهم ووسام تميزهم وعنوان هويتهم منذ قرون؟
لا أتوقع أنكم ستقبلون إلى عدن حاملين باقات الورود، ولو فعلتم فلا أتوقع أن مواطناً جنوبياً يمتلك قيمةَ وردةٍ واحدةٍ ليستقبلكم بها وهو الذي يفطر بلا طعام وينام بلا سحور، وإن وجد ما يفطر أو يمسك به فلا يتجاوز الأمر ثلاث تمرات وكوب قهوة وقطعة خبز ناشفة مع الماء الذي قد لا يكون نقياً وبعضهم قد لا يلاقي حتى هذا الــ"ترف".
لا أرغب في رسم صورة سوداوية لوضع العاصمة عدن، لأن السوداوية أقل سوادا من معاناة أبناء عدن ومعهم كل الجنوبيين، باستثناء القلة القليلة التي تقترب يوما عن يوم باتجاه الغالبية المعدمة، لكنني أذكر السادة رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي بأن ما هم ذاهبون إلية ليس قطعة من الجنة، بل قد يكون أقرب إلى قطعة من جهنم، وأن أية معالجة لهذا الوضع يجب أن تتم قبل وصولهم إلى العاصمة وأن هذه المعالجة يجب أن لا تتخذ شكل المسكن المؤقت الذي يتوقف بمجرد مغادرتهم العاصمة كما جرت العادة، وأن يقلعو عن الفكرة الخرقاء القائلة بأن أي تحسين لحياة المواطنين الجنوبيين ستدفعهم إلى الانفصال، لأن هذه المقولة العرجاء أثبتت إفلاسها وعقمها وحماقة القائلين بها منذ يوم ولادتها.
ما زلت أبتهل إلى الله أن يعينكم في مواجهة التحديات لكن الدعاء وحده لا يكفي ما لم يقترن بعزيمة جادة على قطع شرايين الفساد وتسخير الموارد المتوفرة وهي كثيرة، لإنقاذ البلاد من حافة الانهيار الذي كان بعضكم شركاء في إنتاح مسبباته، والذهاب نحو تلبية الحد الأدني من متطلبات الحياة الضرورية للناس
والله على ما أقول شهيد