موسم كأس العالم لكرة القدم ينعقد مرة كل أربع سنوات، ويحتشد فيه حوالي مليون شخص من المشجعين، وتستنفر له الدولة المستضيفة ثمان سنوات كاملة من التجهيزات والبنى التحتية، وتنفق عليه مئات المليارات من الدولارات، وهذا لا شك عمل ضخم.
لكن هناك حشد مليوني آخر، يحتاج إلى وقوف طويل أمام عظمته، فهو أكبر بكثير من مواسم كأس العالم، لأنه يبلغ الثلاثة مليون شخص، من جميع جنسيات الأرض بدون استثناء، ويتكرر في السنة مرتين على الأقل، في بقعة صغيرة من الأرض هي مكة المكرمة، في موسم الحج الأكبر وعمرة رمضان، ومستمر منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، وبنفقات لو جمعت منذ أول حجة في التاريخ إلى اليوم لكانت أقل من نفقات موسم واحد من مواسم كأس العالم.
أما طباع المحتشدين وأخلاقهم، والروابط التي تجمعهم، وأجواء الحشد من حيث الطمأنينة والتوتر، والسكينة والفوضى، فلا مجال للمقارنة بين الحشدين.
أعقد هذه المقارنة البسيطة، ليس بهدف التقليل من صعوبة تنظيم مواسم كأس العالم، فهي لا شك عملية صعبة وجهود ضخمة، ولكن أردت -فقط- لفت نظر القارئ إلى فارق الأرقام والحيز المكاني والزمني، التي لو خضعت للحسابات المادية البحتة، لعد تنظيم مواسم الحج والعمرة من المستحيلات، فضلا أن يتكرر سنويا وفي بقعة صغيرة للغاية.
إذن هناك عامل آخر، خارج الحسابات المادية، إنه عامل التيسير الرباني المصاحب للأمر الإلهي لإبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ).