الغد المشرق" ، القناة التلفزيونية التي تتبع فصيل سياسي "جنوبي" ، قامت مؤخراً بإعداد وتوزيع شريط فيديو تهاجم فيه ، وتسخر من نظام الحكم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ما قبل 1990.
أُعد الشريط بطريقة تفتقر إلى المهنية والموضوعية ، وقدم بطريقة حماسية على غير المعتاد من قبل مذيع معروف بحصافته ومهنيته ، وهذا هو ما ثير الاستغراب .
لا تكمن المشكلة في نقد أخطاء هذه التجربة ، فهي ليست فوق النقد ، وقد نقدت نفسها في أكثر من مناسبة ، وقال فيها بعض قادتها ما قاله مالك في الخمر ( مع فارق أن مالك لم يعاقر الخمر بينما كان هؤلاء القادة على رأس هذه الدولة ، وإن كانوا قد لجأوا إلى الضمير الغائب في نقد الأخطاء باستخدام الضمير الثالث "هم" ) ، إنما تكمن المشكلة في أن الفيديو بدا وكأنه قد أعد لغرض خاص ، لا علاقة له مطلقاً بنقد التجربة بمعايير موضوعية ، وإنما بحراك الوضع السياسي في اليمن عموماً وفي الجنوب على وجه خاص بهدف خلط الأوراق .
المتابع لمحتويات الفيديو سيلاحظ أن من قام بإعداده كان كحاطب ليل ، خلط الحابل بالنابل ، لم يهتم ، ولو بقدر أنملة ، بمهنية وسمعة القناة التي يمثلها .. وضَعَ القناة في مواجهة مع الحقائق التاريخية على نحو بدت معه وكأنها مدعي عام لا يمتلك من الأدلة غير ما يكتبه خصوم التجربة دون تدقيق أو تمحيص ، أو ما أدلى به بعض قادتها باستخدام الضمير الغائب ؛ وهما أمران لا يمكن أن يستدل بواسطتهما على شيء مفيد في القراءة الموضوعية لهذه الدولة .
ونخشى أن القناة بهذا قد تنزلق نحو إعادة بناء مهمتها الاعلامية بقواعد سياسية متحيزة ، وغير رشيدة ، تستبيح معها المهنية والموضوعية ، وفوق هذا ، وهو الأهم ، تلقين متابعيها معلومات خاطئة تستحثهم فيها على قبول التلقين مهما كانت أخطاؤه ومراميه .
ألم يكن من الأفضل أن تترك هذه المهمة للمؤرخين وتتفرغوا أنتم للحاضر والمستقبل .
أما للسياسيين الذي يقفون وراء هذه المحطة فنقول لهم إن المعركة اليوم ليست مع الجنوب القديم ، الجنوب الدولة بكل منجزاتها واخفاقاتها .. المعركة اليوم هي مع اليمن التائه والممزق والضائع .. معركة البحث عما ينقذ الجنوب واليمن عموماً من من هذا الوضع وأسبابه ، حتى لا يغرق الجميع في المزيد من الضياع .
تجربة دولة الجنوب منذ الاستقلال وحتى الوحدة لها إيجابياتها ، ولها سلبياتها ، وهي الان في ذمة التاريخ ، ولا يجوز أن تعرض للتوظيف *السياسي مع كل اخفاق ، حتى لو بدا ان ذلك لزوم ما تمليه بعض مستجدات الحياة.
*من صفحة الكاتب في فيسبوك