كان من الواضح أن الغطاء الدولي الذي طالما تحركت تحته الرغبة السعودية والعقلية المنكفئة لنظامها في إدارة الصراع اليمني قد بدأ يتلاشى بقوة في الآونة الأخيرة من عمر الحرب، كما وتعزز الأمر هذا كثيرا مع إستمرار غياب أفق الحسم عسكريا هناك؛ الحليف الإماراتي كذلك أسهم كثيرا عبر إعلان إنسحابه من اليمن وإستمرار إدارته بعد ذلك لجزء من المشهد بطريقة غير توافقية وأحيانا ملتبسة في إيصال الرياض الى ذلك الواقع .
لذلك بدأ من الطبيعي أن قيادة المملكة ستكون حينها على موعد وشيك مع مشكلة حقيقية تتعلق بفشل أهداف تدخلها باليمن، وكيفية تبرير بقائها هناك مزيدا من الوقت دونما تحقيق أي تقدم إيجابي .
تلك المشكلة أكدت أنه بالفعل لم يعد من مفر سوى أن ترسو الرؤية السعودية على خيار الواقعية السياسية كمخرج مقبول من دوامة ذلك الصراع .
لكن ماهي طبيعة وحدود خيار الواقعية ذاك؟ جزء الإجابة الأول - بإعتقادي - يتلخص في إقرار السعودية الذهاب نحو اعادة إنتاج دور القوى الموالية لها في قالب سياسي ينتمي لطبيعة وقائع الحرب وهو ما سيعرف لاحقا بمشاورات الرياض، وتأكيد قيادة التحالف العمل على إرساء مخرجاتها واقعا .
وبنظرة فاحصة سنجد أن خيار الواقعية السياسية المتمثل بخطوة تشكيل مجلس القيادة قد أتى قرارا ذو طابعين، الطابع الإداري وجاء في معظمه سعوديا، بينما حمل الطابع التنفيذي بصمة الإمارات .
وفي تقديري أن مرجع الطابع التنفيذي هنا للإمارات يعود إلى المهمة الخاصة لأبوظبي والتي تسعى من خلالها - مستفيدة من ذلك الواقع - إلى تقديم نفسها كقوة إقليمية مؤثرة على طاولة مفاوضات الحل السياسي لملف الأزمة باليمن، وبالإمكان إستشعار الرغبة الإماراتية تلك في منحى المعارك العسكرية التي حدثت في المناطق المحررة خلال الفترات الماضية، إلى جانب السلوك السياسي والكيفية التي لازال يتعامل بها المجلس الإنتقالي عموما مع مختلف التطورات الطارئة على مشهد الصراع .
جزء الإجابة الثاني عادة سيرتبط بمرحلتين وهما تأكيد إتفاق وقف الحرب ومسارات التسوية الشاملة لحل النزاع، وفيهما ستشمل وقائع المشهد بالشمال، وتطورات الوضع هناك بما في ذلك كيفية التعاطي مع واقع سلطة الحوثيين كسلطة إدارية، وحقيقة النفوذ الإيراني كرغبة مهيمنة ومتحكمة بتلك السلطة .
ولكن أين هو دور الحلفاء الدوليين في مثل هذا التحول الاستراتيجي بملف اليمن؟
يقف اللاعبون الدوليون ذو العلاقة على مرمى حجر من جميع أحداث الصراع باليمن ويكتفون بصفة عامة بإدارة المشهد بشكل غير مباشر، حيث لا يمكن تبرأت المجتمع الدولي من صناعة الواقع السياسي الذي تشكل مؤخرا، وبالإضافة إلى ذلك فإن خطوة إيجاد مسار سياسي جديد لحل الصراع باليمن تبقى مهمة دولية بإمتياز . إذا لا تنكر جميع الأطراف المحلية والإقليمية ضرورة لعب الأمم المتحدة دورا محوريا حاسما في تسوية النزاع وإستعدادها في دعم مبادرات الحل المنعقدة تحت المظلة الدولية .
غير أنه وبالمجمل يبقى خيار الواقعية السياسية هذا نفقا أخرا تدلف إليه الأزمة اليمنية المعقدة لما للأطراف الخارجية من تأثير نافذ ومتداخل في نفس الوقت على الداخل اليمني، وحيث أنها تبقى أطرافا طامحة وتعيش حالة من صراع المصالح المتحور فإن فرضية خضوع الملف اليمني وإمكانية توظيفه واقعه السياسي مع كل منعطف يستجد على صراع المصالح ذاك ستبدو حينها مسألة محتملة دائما بل وبديهية جدا؛ وهنا تحديدا يتعزز وصف خيار الواقعية تلك بخطوة الذهاب مجازفة نحو نفق غير مطمئن والسير عنوة في طريق محفوفة بالمخاطر والتحديات وإن بدا ذلك الخيار منبثقا عن وقائع حرب بات من الصعب اليوم تجاوزها كمعطيات سياسية أقرب للبناء عليها في مهمة إيجاد مسار جديد لحل النزاع باليمن .