محمد علي محسن
محمد علي محسن

تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتَّى !! 

 

هذا هو حال الجبهة الشرعية المحاربة للحوثيين ، فلو أن فرقاء الشرعية توحدوا لأجل غاية استعادة الدولة اليمنية اولا ، لكانت النتيجة مغايرة ولما طالت الحرب كل هذه الفترة الزمنية .

لطالما قلنا وأكدنا بأن الجماعة الحوثية ليست بهذه القوة التي يصورها الكثير ، وانما استمرارها كل هذا الوقت مرده تمزق وتنافر قوى الجبهة المناوئة لها.

فما هو معلوم أن الجبهة الشرعية تضم عدة كيانات سياسية وعسكرية وكل من هذه الكيانات له غايته وأهدافه وأدواته وقيادته .

سلطة شرعية اولا برئاسة الرئيس هادي ، ومن ثم الرئيس العليمي ومجلسه الرئاسي المكون من تأليفه عجيبة وغريبة أدق وصف لها انها متنافرة واحيانا متضادة وتتصادم ببعضها البعض .

كان الرئيس هادي بعيدا عن تمثل العهد الثوري الجديد ، رغم أنه نتاجا لهذا العهد ، صحيح أنه امسك العصا من الوسط ، مواءما ما بين تطلعات منشودة مسنودة بزخم الشارع ، وبين حقبة ماضوية ما فتأت ضاغطة بقوة كي تحفظ ديمومتها ووجودها .

 

كما وصحيح أن الرئيس هادي في المحصلة النهائية قدر على تحمل تبعات الانتقال السياسي بشقه النظري ، ومن خلال انجاز أهم وثيقة سياسية تاريخية تمثلت بصدور مقررات مؤتمر الحوار ، فمهما كان الخلاف حول شكل الدولة اليمنية المنشودة ، إلا أن الرئيس هادي هو من حسم الخلاف ولمصلحة الأقاليم الستة .

 

ومع كل ذلك كان هادي وحكومته قربانا لابد من التضحية به كيلا لا يتم إصدار الدستور الجديد ، فكان الإنقلاب العسكري وأن تحت يافطة رفض الجرعة السعرية .

 

وبعد سبعة أعوام من الأزمات الداخلية في كيان السلطة الشرعية كان ولابد من تؤليفة جامعة لشتات هذه السلطة الشرعية ، بحيث يمكن إعادة توحيد فرقاء الداخل والمنفى في إطار تحالفي يفضي لكتلة سياسية واحدة .

 

ما غفله أو ربما تم تجاوزه ، هو أن الأزمة لا تتعلق فقط بكيان المجلس الانتقالي في عدن ، أو بمكون حرَّاس الجمهورية في المخأ ، أو الشرعية في عدن أو الرياض وحتى نفوذ الإصلاح في مأرب ؛ وانما أيضا في دول التحالف ، وتحديدا السعودية والإمارات .

 

فكلاهما السعودية والإمارات أسهما في إضعاف الشرعية ، فلا السعودية قدر لها دعم الخط السياسي الذي تمثله الشرعية وبشكل واضح وصريح ، أو أن الإمارات ألتزمت على الأقل بالحياد عندما تتعلق المسألة هنا بالسلطة الشرعية ومكوناتها ، إذ دعمت الكيانات الموازية ، وبما جعلها قوة مسيطرة على مساحات كان يفترض أنها تحت سيطرة الشرعية المنفية في الرياض أو السجينة تحت رحمة الانتقالي في معاشيق ..

 

كان الاعتقاد السائد ان الرئيس هادي اضحى مشكلة معيقة وائدة لأي انتصار للسلطة الشرعية ، ولهذا سهلت مهمة استبداله بعملية قيصرية تمخضت عن رؤوس ثمانية . 

 

كانت الامآل عالقة على هؤلاء الذين جيء بهم من مكونات مختلفة المشارب بداخل جسم الشرعية ، فتم تسمية العليمي كرئيس مختار من الرئيس هادي ، إلى جانب سبعة أسماء مشكلة مجلس الرئاسة .

هذه التؤليفة الغريبة ذكرتني بمجلس الرئاسة الذي أعقب انتخابات برلمان ١٩٩٣م ، مؤتمر وإصلاح واشتراكي ، وجميعهم يضمرون لبعضهم العداء ، ما قاد البلد برمته إلى كارثة الحرب صيف ١٩٩٤م . الفارق الان أن معركة وهذه الأسماء تمثل كيانات سياسية مختلفة .

 

وإذا كان الرئيس العليمي متوافق عليه بكونه يجسد الرئيس الشرعي السابق واجندته الانتقالية المتعثرة ، فإن بقية الاسماء كل منها يمثل خيار وتوجه سياسي ، وكل خيار وتوجه بلاشك له غايته وأهدافه وأدواته وأساليبه ..

 

فالقائد طارق وأتباعه يمثلون الرئيس الأسبق صالح ، ومع أنهم في العنوان الأبرز في الخط الجمهوري ومناوئين الجماعة الحوثية ، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أنهم يسعون لاستعادة النظام السابق فغايتهم إعادة اليمن إلى ما قبل الثورة والحرب ، ولعل المتأمل في إعلامهم سيدرك أنهم مناوئين للثورة والتغيير .

 

نأتي بعد ذلك إلى المجلس الانتقالي ورئيسه القائد عيدروس الذي يمثل تناقضات وتنافرات عجيبة ، ففي الوقت الذي يجتمع فيه في معاشيق لأجل أجندة استعادة الدولة اليمنية ؛ في ذات الوقت وحين ينتقل لمقره في جولدمور لديه وأتباعه معارك وأساليب وخطاب وفعل ينافح لأجل استعادة الدولة الجنوبية . 

 

كما وفي الشرعية يوجد هناك من هو على استعداد للتصالح مع الجماعة الحوثية إذا ما كان الأمر له صلة بانسلاخ الجنوب عن الشمال ، والحال ذاته ينطبق على المكونات الجنوبية ، فثمة اعتقاد في الذهنية الجنوبية مفاده أن الجماعة الحوثية أقرب لها من السلطة الشرعية ، إذ أن التصالح مع الجماعة يمكنه منح الجنوبيين الاستقلال ..

 

والخلاصة هي أن هذه المكونات مجتمعة فشلت في استعادت الدولة اليمنية بمضامينها الجديدة المتكأة على المبادرة الخليجية ومقررات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات الشرعية الدولية . 

وفشلت في استعادة الجمهورية التي ينافح من أجلها ابن شقيق الرئيس الأسبق وقواته . كما وفشل الشريك الآخر المجلس الانتقالي في استعادة الدولة الجنوبية رغم سيطرته العسكرية على المحافظات الجنوبية .

 

سبق وأن قلنا إنه وما لم تكن هناك شراكة حقيقية جامعة لكل فرقاء الشرعية فإنه من المستحيل انتظار نتائج ملموسة تتحقق شمالا أو جنوبا .

 طالبنا مرارا بتوحيد القوى المناهضة للإنقلاب ، ودعونا لشراكة الضرورة ، بحيث تتوافق كافة القوى على مبدأ استعادة الدولة اليمنية اولا ، واضعين بالاعتبار الاتفاق على ما بعد استعادة الدولة ، بحيث توضع القضايا على طاولة النقاش والحوار الجاد.

 

ومن أجل تجاوز الحالة المثقلة بقضايا وملفات أنهكت الناس وأثقلت كاهل حياتهم ؛ كان ولابد من مبادرة سياسية من شأنها البحث عن حلول لهذه الوضعية البائسة الناتجة في الأساس عن فشل الأطراف المكونة للشرعية ، فحين غابت الرؤية السياسية الواحدة الجامعة لجبهة الشرعية ، تاهت هذه القوى في متاهات ومناكفات ومزايدات ومماحكات أضاعت البلد وبددت فرص أهله في النجاة من الازمات المستفحلة .

 

ويوم الاثنين ٢٩ ابريل عقدت في عدن ، جلسات (حوار قيادات الأحزاب والمكونات السياسية في اليمن) التي نظمها المعهد الديمقراطي الامريكي ( NDI)، بدعم من وكالة التنمية الأميركية .

وحضرها أربعة وعشرون حزباً ومكوناً سياسياً مؤيداً للشرعية، ومناهضة إنقلاب مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، والتحالف الوطني للأحزاب المؤيده للشرعية، ومجالس سياسية من حضرموت والمهرة وشبوة بما فيها مؤتمر حضرموت الجامع.

 

الأحزاب والمكونات السياسية اتفقت على أرضية عمل مشتركة كبيرة، أعلنت منها سبعة أهداف أساسية، تتمثل:

حل القضية الجنوبية كقضية رئيسية ومفتاح لمعالجة كل القضايا الوطنية. إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات العامة الحيوية للمواطنين من المحافظات المحررة لخلق نموذج جاذب. عودة جميع مؤسسات الدولة العمل من العاصمة المؤقتة عدن . تعزيز مكافحة الفساد والإرهاب. 

 

تقديم الدعم اللازم لضمان سير عمل الحكومة وحشد الدعم الدولي لها لتعود شريكاً فاعلاً مع المجتمع الدولي لحفظ الأمن والسلم الدوليين . 

تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لإنشاء تكتل سياسي ديمقراطي لكافة الأحزاب والمكونات السياسية المؤمنة باستعادة الدولة. التأكيد على الحكومة أن تقوم بواجبها الدستوري والقانوني لمواجهة الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيات الحوثي "٠ 

 

اتمنى - واقول اتمنى لإدراكي بأن هناك فئة مؤثرة ستعمل على إفشال اي تقارب من هذا القبيل - أن تكون مبادرة المعهد الامريكي فاتحة لمسار سياسي واحد عنوانه استعادة الدولة اولا وثانيا ورابعا .

فدون التوافق على رؤية سياسية واحدة ، وكيان سياسي واحد يمثل الدولة اليمنية الكائنة أمام العالم ، تبقى الخيارات الأخرى دروبا شائكة ومعقدة لا تفضي لغير الأزمات تلو الأزمات ، ما يعني المزيد من تمزق القوى المناهضة للجماعة الكهنوتية السلالية وإطالة أمد الحرب وتقوية جبهة الانقلابيين ..

 

محمد علي محسن