كيف يكون الرثاء يا ابنتي؟ كيف يُقال وكيف يُكتب يا زهرة الربيع التي لم تزهر، يا نجمة في سماءنا أُطفِئ نورها؟
أيتها الفتاة الذكية، التي كانت تملأ العالم بهجةً وأملاً، غدوتِ شعلة مضيئة في سماء مظلمة، درجاتكِ المدرسية كانت كل حياتكِ، لكن الحياة كانت أقسى مما توقعتِ.
بنتي الغالية كنتِ لطيفة مع الجميع، محبوبة بين الأقران. كنتِ تظنين أن نجاحكِ هو كل شيء، وأن فرحة أهلكِ مرهونة بتفوقكِ، ولأن درجتين نقصتِ في نتائجك التي كانت كلها مكتملة، ظننتِ أن العالم انتهى، وأن أمل أسرتكِ التي تواجه الويلات مثل كل أسر بلادنا الأليمة البائسة قد محي.
أحد عشر عاماً، كان فيها قلبكِ ينضح بالحلم، وبريق عينكِ يحكي قصص المستقبل. لكن الحلم انكسر، والقلوب تكسرت معكِ، وانزلقتِ من نافذة الأمل إلى هاوية الألم. يا حنين، كم تمنينا لو عرفنا ما كان يثقل كاهلكِ.
أيها الطابق الخامس، كيف حملتِ هذا الوجع؟ كيف شهِدتِ سقوط روحٍ بريئة؟ صرخة ألم تحاكيها الرياح، ودمعة أسى تبكيها السماء. قبل السقوط، قلتِ كلمات تدمي القلوب: "سامحوني يا أمي، يا أبي". كم هي قاسية تلك اللحظة، وكم هي عميقة الجروح التي تركتها في قلوبنا.
يا زهرة العمر، ليتنا كنا ندرك ما كان يختلج في صدركِ، ما كان يؤرق ليلكِ الهادئ، لكن الدنيا قاسية، والمقاييس ظالمة، والحلم أحياناً يصبح كابوساً. فارقتِنا قبل أن تعرفي أن الحياة أكثر من مجرد أرقام، أكبر من درجاتٍ وامتحانات، الحياة التي يعيشها من هم في سنك في كل العالم لم يتسن لروحكِ المثابرة أن تعرف ولو جزء منها فضلا عن عيشها.
كم يشبه مصيركِ يا حنين مصير بلادنا البائس، الذي يرزح تحت وطأة الحروب والأزمات، يُزهق فيه الأمل قبل أن يزهر. كم هي الحياة قاسية في وطن يئن من الألم، في وطن ضاعت فيه الأحلام بين ركام الأسى والبؤس والشقاء.
سنبكيكِ دهراً، وقلوبنا ستظل تعاني، لأنكِ كنتِ أملاً قُطِف قبل أوانه، وربيعاً لم يزهر. وداعاً يا زهرة العمر، التي ذبلت قبل أن تزهر، وداعاً يا بريق الأمل الذي انطفأ. ستظل ذكراكِ خالدة في قلوبنا، ودموعنا لن تنضب، تماماً كما لن تنضب دموع وطننا الذي يبكي أبناءه وأحلامه الضائعة.
في جنات الخلد يا ابنتي شفيعة لأهلك ووردة من ورود الجنة.
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله