قبل أيام تواصلت معه هاتفيًا ، كان صوته مخنوقًا ، أخبرني أن حالته تسوء يومًا عن يوم ، طلب مني متابعة علاوته السنوية ، وبعد تواصل مع مدير عام الخدمة الاخ علي حرمل ، عدت وطمأنته بإن إحالته للتقاعد لا تعني حرمانه من مستحقاته .
كان ضمن قائمتي الجماعية في الواتس ، ولذلك بقى التواصل بيننا يوميًا إلى أن أصيب بجلطة دماغية ، ومن تلك اللحظة خفت صوته وتضاءلت رسائله ، وبرغم سوء حالته بقيت اتواصل معه بين حين وآخر . في اخر اتصالاتي معه ، أخبرني أن العميد عبدالله مهدي ورفاقه في مجلس انتقالي الضالع ما قصروا معه ، وكذلك رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي ، وأيضًا ابن شقيقته نائف الحميدي ، ولكن تلك المساعدة لم تكن كافية لنقله للعلاج في مصر أو الهند . حزين للغاية بفقدان زميل وصديق جمعتنا أعوام وذكريات لا تمحى ، منذ معرفتي به في عهد المحافظ الألمعي صالح الجنيد رحمه الله ، وانا وإياه روح واحدة في جسدين ، والله الشاهد أننا لم نقطع حبل الود لحظة . ففي أسوأ الظروف التي مررنا بها ، أو اختلفنا فيها لبعض الوقت ؛ بقينا أكثر من إخوة ، فحتى الإخوة يتخاصمون ويتشاكلون لأتفه الأسباب . كنت مديرًا عاما للاعلام والفقيد شغل وظيفة إدارة الإعلام ، كما ورأست تحرير صحيفة الضالع ، وشغل سكرتير التحرير ، وكنَّا الأثنين نتشارك كتابة او إعادة صياغة معظم مواد الصحيفة من الغلاف إلى الغلاف ، وفي أجواء يسودها المرح والنكات ، وأجمل الأوقات تلك التي قضيناها معًا في صنعاء أو تعز أو الضالع .
وعموما ، الزميل قائد علي عبدالله دربان ، كان أكثر مني خبرة في التعاطي مع المسؤولين الساخطين ، كان هادئًا وودودًا جدا ، بحيث أنه ومهما تلقي من انتقادات فجة ، يتقبلها بابتسامة وآناة ، فلا يغادر مكتب هذا أو ذاك إلَّا وقد اطمأنوا له ولوعوده بإصلاح ما أفسدته الصحيفة أو وسائل الإعلام الحكومية .
تم انتدابه من مشروع تنمية الموارد ، ولفترة ثمانية أعوام أو يزيد ، وخلال هذه الأعوام بقينا على تواصل دائب ، كنا كشخص واحد ، فليس هناك أي رئيس ومرؤوس ، بل زملاء ورفاق وتجمعنا مهنة المتاعب أكثر من أي وظيفة ودرجة .
للأسف العشرة الأعوام الأخيرة ، ضاع فيها البلد برمته ، ولهذا كل منَّا ذهب في دربه ، التحق هو بالمجلس الانتقالي وشغل مسؤولية الدائرة الإعلامية ، بينما أنا لازمت البيت منذ آخر عمل كمراسل لصحيفة الشرق الأوسط في عدن إلى يناير ٢٠١٨م .
جمعتني بالزميل الصحافي المقتدر قائد دربان كثير من المواقف الإنسانية والذكريات الرائعة ، ولهذا أعتذر عن كتابتها الان ، سأترك تلكم الذكريات للزمن القابل ، فالفقيد ترك إرثًا زاخرًا بالكفاءة والحرفية والتواضع والحب والوفاء والتسامح . نوعية فريدة لا تعثر عليها في هذا الزمن الطافح بالنفاق والوضاعة والغطرسة ، فيكفي القول هنا أن قائد حمل قلب إنسان عامر بمحبة النَّاس ، لا يبغض ، ولا يحسد ، ولا كلام كثير ، ولا غرور . عاش بصمت ووقار الحكماء ، عشق الكتابة واعطاها كل ما يملكه من ملكات وجهد ووقت وخبرة ، فوضع ذاته في المكانة اللائقة بالكبار .
رحمة الله تغشاك أبا مكسيم ، دعواتنا لله لأن يسكنك جنان الفردوس مع الشهداء والصديقين والصالحين ، وان يلهم ابنائك واهلك واقاربك واصدقائك الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
محمد علي محسن