محمد علي محسن
محمد علي محسن

الإسلام وأباطيل الإمامة السلالية  !! 

السؤال الجوهري والمهم  هو : هل محمد بن عبد اللاه ، عليه افضل الصلاة والسلام ، بُعث هاديًا وداعيًا ورسولًا ونبيًا وبشيرًا ونذيرًا لكافة خلق الله أم أنه بُعث لتوريث أهل بيته وعترته سلطة ومغانم ومكانة فوق جميع البشر ؟! 

لنفترض جدلًا أن الله ابقى على حياة أحد ثلاثة أولاده القاسم أو عبدالله أو ابراهيم ؛ فهل كان الرسول الأعظم سيغير رأيه وسيتحدث صراحة عن خلفيته في المسلمين بعده ؟ . 

يقينا أن حامل رسالة السماء لم ولن يفعل ذلك ، لأنه ووبساطة مثل أسلافه من الرسل والأنبياء ، فلن يشذ عن مسارهم أو يطمع في سلطة أو مال كي يورثه لأهله وأقاربه ، فمثل هذه الأفعال لا تليق بالبشر العاديين فكيف بنبي ورسول ؟! .

إنَّ العقل والفطرة السوية تأبى هذا الاعتساف الفج لروح دين الإسلام الذي ليس فيه أي قداسة للبشر أو أن هناك وساطة بين المسلم وربه ، فلا كهنة أو قسوسة أو بابوية أو إمامة أو مشيخة ، فجميع هذه المسميات لن تنفع أو تضر الإنسان يوم لا ينفع مالًا أو بنونا ، إلَّا من أتى الله بقلب سليم . فكل إنسان عاقل يدرك أن عمله الصالح أو الطالح هو المعيار الثابت يوم الوقوف أمام الله ، فجوهر الإسلام هو أن لا عبودية إلَّا لله وحده ، إما غير ذلك فبني البشر سواء بسواء ، فلا أسود أو أبيض او أصفر ، فجميع هؤلاء إخوة في الدين والإيمان ، أخوة في الإنسانية .

وإذا ما كان هنالك تمايز وإصطفاء ففي مسألة عقدية إيمانية ، وهذه الميزة " الله " وحده من يحكم ويقرر باعتباره الخالق والمطَّلع على سرائر النفس البشرية . أما وقتها فيوم البعث والحساب ، وعندها تحدد درجات جميع البشر ، فلا فضل لعربي أو أعجمي أو سواه الَّا بالتقوى والإخلاص .

إنَّ أي دعوة لله يراد بها سلطة أو مغنم هي دعوة إفتراء ونصب وإحتيال على أي دين سماوي أو وضعي ، فكيف بدين ورسول غايتهما هداية البشرية ، وتصحيح ما أفسدته الممارسات والضلالات من انحرافات وتشوهات لم ينزل الله بها من سلطان ؟.

نعم ، أي دعوة يراد بها تحقيق مكاسب نفعية أو سلطة ، هي دعوات لا تمت بصلة لنبينا الكريم ، أنها تعرِّض بنبينا وتسيء إليه ، سواء كانت باسم ال البيت وبني هاشم خاصة ، أو باسم ال قريش عمومًا .

فرسولنا ختم دعوته للنَّاس بنزول آخر آية في القرآن الكريم : " اليوم أكملتُ لكم دينكم واتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا " كما وخطبة الوداع فيها اخر وصاياه ، وبذلك بلغ رسالته وادى أمانته على أكمل وجه .

فمن أين جاءت لنا رزية الحكم والسلطان ؟ ولماذا اختلف المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة حول من يتولى أمر المسلمين ؟ حدث هذا النزاع وفيما جثمان النبي في بيته وقبل أن يوارى الثرى . 

فهل الرسول الذي حمل على كاهلة أعظم رسالة ومهمة، وجاهد وضحى وتجشَّم عناء إيصالها وإبلاغها وتجسيدها في حياته ،لم يستطع القول بأن خليفته فلان وعلى اتباعه من المؤمنين طاعته ؟ .

أوذي وحورب وهُجِّر ووصل الأذى لحد القتل ، ومع كل ما تحمله من شرور وأذى لفظي وبدني ومعنوي ؛ لم ينطق ولو بكلمة واحدة تدعو أصحابه وأتباعه وأقاربه إلى طاعة من أختاره خليفة للمسلمين بعد وفاته . فلو أنه فعل ذلك ما حدث من خلاف بين صحابة الرسول حول أحقية من يتولى أمر المسلمين بعد موته . 

صحيح أن مسألة خلافة الرسول حسمها عمر ابن الخطاب ،وفي لحظات تاريخية عصيبة ، إلَّا أن فعله هذا لا يمنعنا من التساؤل عن ماهية ذاك الجدل وذاك الخلاف ؟ .

فإذا كان دعاة الاصطفاء والتشيع يبغضون ويلعنون أعظم حاكم عادل في تاريخ الإسلام والمسلمين ، بسبب انحيازه لابي بكر وتوليته لأمور المسلمين ؛ فلماذا حدث ما حدث في سقيفة بني ساعدة ؟ .  أننا نتحدث عن أنصار ومهاجرين ، وجميعهم صحابة وعاشوا وجاهدوا وآمنوا بالنبي محمد ، فكيف لهم أن يتنازعوا في أمر إذا كان قد حسمه سلفًا ؟ . وكيف للإمام علي مبايعة ثلاثة خلفاء ؟ بل وأكثر من ذلك ، إذ خطب لهم وعظَّم شأنهم ، وصاهرهم ، واعتبرهم أفضل منه منزلة ودرجة ، وتبرأ من أفعال بالغ أصحابها في تعصبهم وبغضهم لمن سبقوه . فبسبب ما يعدونه حقًا لهم دون سائر خلق الله ، ووصل بهم الغلو إلى تأليه الإمام علي ، ومن بعده الائمة الذين لهم منزلة عظيمة لا يبلغها ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، وإن للإمام مقاما محمودًا ، ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها ذرَّات الكون .

فضلًا عن اعتقاد راسخ في عقيدة الشيعة الأثنى عشرية بأفضلية الأئمة على الرسل والأنبياء ، والولاية أفضل من الصلاة والصيام والزكاة والحج . وهذه الاباطيل مدونة في أحد أصول مذهبهم ( الكافي ) . ويزعمون أن لأئمتهم واسطة مع الله ومن لا يعرفها فمثواه النار ، ناهيك عن وجود كتب ومصاحف سماوية نزلت على علي وفاطمة  ، وهذه الكتب المزعومة قالوا إن عددها ١٣ كتابًا وصحيفة ولوح ، وإنها رهينة أئمتهم باعتبارها إرث أنبياء .

وعودة للموضوع ، كان فعل ابن الخطاب استبداديًا ، اذا ما نظرنا لطريقة حسمه للخلاف الناشب حينها بين الأنصار والمهاجرين ، وهناك من المؤرخين والباحثين من عد تلويحه بالسيف بأنه تهميشًا واقصاءًا للأنصار ، كما وهناك من اعتبر خلافة الأربعة بمثابة الإنتهاك الأول لمبدأ الشورى بين المسلمين .

ومع كل ما تواتر من مرويات ، كان المجني عليهم هم الأنصار الذين وبرغم مسودة الإتفاق تم تجاوز بنوده ، فلا خليفة ولا وزير منهم ، إذ كانت العصبية لقبيلة قريش قد كشَّرت أنيابها ، رافضة مشاركة الأنصار .

وبما أن قريش اخذت الزعامة من الأنصار ، فبكل تأكيد كانت خطوة مثل هذه حرّكت ما في أعماق القلِّة من المتطلعين للحكم وأن تحت يافطات عصبية عدة ، هاشمية وعلوية وفاطمية وعباسية والخ من الدعوات العصبية المقيتة التي قوضت مبدأ مهم وأساس نص عليه القرآن " وأمرهم شورى بينهم " .

إن الباحث عن معرفة الحقيقة يحتار ويتعجب من كمية الأكاذيب والافتراءات التي تم نسبها لخاتم الانبياء والمرسلين زورًا وجورًا ، ولحد أن الإنسان السوي ليخجل ويغضب من فرط البهتان والكذب على رسول الله ، وما نتج عن هذه الاباطيل من ضلالات لم ينزل الله بها من سلطان أو يتفوه بها نبينا الذي لا ينطق عن هوى .

نعم ، من حق أي مسلم اليوم أن يسأل كل من يدَّعي بحق الولاية أو الإمارة .  هل دين الإسلام عقيدة إيمانية سماوية متممة وخاتمة لعقيدة الأسلاف من الرسل والأنبياء ؟ أم أن دين الإسلام مجرد ايات وأحاديث غايتها حكم بني هاشم وقبيلة قريش عمومًا ،  ما يتوجب من مليار ونصف مسلم تقريبا طاعة هؤلاء وتسليمهم رقابهم وأموالهم ومصائرهم .

فما هو مؤكد ويقيني أن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسواهم من الأنبياء والصالحين كانت دعوتهم واضحة لا لبس فيها أو زيغ أو ضلال ، فجميعهم عانوا ما عانوا من أقوامهم . فلم يكن رسُل الله دعاة سلطة أو اصطفاء بمفهومه الدنيوي العرقي الإثني ، وإنما اصطفاء روحي إيماني  .

شخصيا ، وطالما قلت إن الإسلام دينا أمميًا ، وغاية هذا الدين توحيد الله وتبيان منهجه القويم الذي تعرض لانحرافات وتشوهات باطلة طوال حقب تاريخية موغلة . 

هذه التشوهات والاباطيل ليست وليدة حقبة بعينها وإنما هي حصيلة قرون تشبه بعضها ، وما فتأت تلقي بظلالها على أحوال المسلمين وتمارسها فرقا تدَّعي أنها إسلامية ، بينما فعلها ينفث منه الضلالات والاباطيل   . 

هناك فرق وجماعات يخجل الإنسان المسلم من نسبها لدين محمد بن عبدالله ، فذاك يتبرك بالموتى ، وذاك يقتات ويقتل ويلعن وينهب ويفسد ويتسلط باسم العترة والقرابة والرابطة العرقية العنصرية .  وذاك ينصب ذاته وليًا صالحًا لديه من الكرامات التي تجعل اتباعه يقدسونه ويضعون جباههم ورؤوسهم عند قدمية.  وذاك ينكح الأمات بتأويل خاطئ لمعنى ما ملكت اليمين ،أو يتزوج بنات المسلمين لمجرد المتعة ، أو في سبيل جهاد المشركين .  فالإسلام جوهره تحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان ، ومن عبادة الأوثان وأربابها إلى عبادة رب واحد في السماء ودون وسطاء او شركاء ، فكيف يقبل الإنسان الحر الكريم أن يستعبده إنسانًا مثله ولمجرد أن جده او جدته الخمسين من بني هاشم أو قريش ، فهذه القرابة لم تشفع لأبي لهب عمومته أو لأبي طالب تضحيته..

وصدق نشوان الحميري ، شاعر ومؤرخ وفيلسوف اليمن حين تصدى لمثل هذا التمايز العنصري الفج ، مؤكدًا أن الحكم لمن تتوفر فيه الكفاءة ، رافضًا حصر الإسلام بإمامة وعمامة ، ومن ثم الإمامة بالبطنين أو ببقية فروع الهاشمية أو القرشية ، إذ قال :  آل النبي هم أتباع ملّته .. من الأعاجم والسودان والعرب لو لم يكن آله إلَّا قرابته .. صلَّى المصلي على الطاغي أبي لهب ..

محمد علي محسن