يثير إغراءات الخروج

الخلاف بين الرياض وموسكو يهدد التحالف الهش داخل أوبك

اقتصاد
قبل سنتين I الأخبار I اقتصاد

جمعت بين السعودية وروسيا علاقة ظرفية أصبحت أساسية للحفاظ على صمود سوق النفط في مواجهة الأزمة الوبائية. ورغم أن هذه العلاقة بالغة الأهمية في الفترة العصيبة التي يمرّ بها العالم، إلا أنها قد تتصدّع مع تبدّد الأزمة.

يشير الاقتصادي ألبيرتو بالبوني لدى شركة “كزيرفي” للدراسات إلى أن “على غرار أي كارتيل، فإن تحالف أوبك بلاس غير مستقر”، في وقت تعقد الدول المنتجة للذهب الأسود قمة جديدة عبر الإنترنت الأربعاء.

وأقام الكارتيل المؤلف من 13 دولة عضوا في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) التي تقودها السعودية، تحالفا في أواخر العام 2016 مع عشر دول أخرى منتجة للخام، بينها روسيا، تحت اسم “أوبك+”.

وتخضع معظم الدول (مع إعفاء ثلاث منها) لخفض حاد في إنتاجها للنفط الخام، تزايد أكثر منذ بدء تفشي وباء كوفيد – 19. ويتيح تخفيض العرض إمكانية دعم الأسعار بشكل مصطنع.

ويقول المحلل لدى شركة “بي.في.أم” تاماس فارغا في تصريحات صحافية إن “ما بدأ على أنه ارتباط ظرفي تحوّل إلى علاقة طويلة الأمد”.

ويرى عدد كبير من الخبراء أن هذا التفاهم النفعي الذي وُلد ردا على التحديات التي تطرحها المنافسة الأميركية وانهيار الأسعار بين عامي 2014 و2016، مبرر أكثر لأن الأسعار منخفضة.

ولكن مقابل الأسعار الحالية، التي تفوق 60 دولارا لبرميل كل من خام برنت وغرب تكساس الوسيط أي المستوى الذي كانت عليه في مطلع 2020، يحذّر بالبوني من أن “إغراءات الخروج عن نظام الحصص” كبيرة، خصوصا بالنسبة إلى روسيا، التي سجّلت في ميزانيتها سعر بيع البرميل بين 42 و45 دولارا، خلافا للسعودية التي رغم أن كلفة الانتاج لديها أقلّ، إلا أنها تواجه صعوبات في الحفاظ على توازن ميزانيتها بسعر أقل من 70 دولارا للبرميل.

ويشرح بالبوني أن روسيا التي أنهكتها التضحيات التي قدّمتها “تريد إنتاج المزيد إلا أن السعودية في كل اجتماع تصرّ على الحفاظ على حصص أكثر صرامة”.

وفي مؤشر إلى الخلافات، سمح الكارتيل الموسع لروسيا وكازاخستان فقط بزيادة إنتاجهما من الذهب الأسود بين يناير وأبريل 2021، أما السعودية فهي تنتج يوميا أقلّ بمليون برميل بشكل طوعي، إضافة إلى الحصة المخفّضة.

وتمكن التحالف حتى من مقاومة هذه الخلافات في وجهات النظر، لكن هل سيصمد مقابل الانتعاش المستدام للطلب واستقرار الأسعار على مستوى مرتفع؟

وسبق أن شهد التحالف في السادس من مارس2020 اضطرابا عقب القمة الوزارية التي لا تزال حتى الآن الأخيرة للدول المنضوية في تحالف “أوبك+” في مقر الكارتيل في فيينا في النمسا.

وبدأ الأمر من الرياض. فبعد فشل المفاوضات، عوّمت المملكة سوق الذهب الأسود، ما سرّع تراجع أسعار النفط الخام إلى ما دون 50 دولارا، وهو مستوى استغرق ثمانية أشهر لاستعادته.

ويوضح أليكسي غروموف المكلف بمسائل الطاقة في معهد الطاقة والمال في موسكو أن السعودية “معتادة على أن تكون القوة المهيمنة على السوق النفطية”.

ويضيف “إلا أن الدولتين (روسيا والسعودية) تشغلان راهنا موقعين متطابقين تقريبا في أوبك+، ما قد يؤدي بشكل منتظم إلى سوء فهم أو إلى نوع من التوتر”.

حتى أن موسكو تتقدّم على الرياض في تصنيف الدول المنتجة للنفط الخام: فهما تحلاّن ثانية وثالثة على التوالي بعد الولايات المتحدة.

ويرى المحلل المستقل ومدير معهد “جيوبوليا” للدراسات والاستشارات فيليب سيبي – لوبيز أنه رغم الهدنة في الأشهر الأخيرة، لا تزال الرياض وموسكو دولتين “متنافستين خصوصا في السوق الآسيوية”.

ويشير إلى أنه في وقت “لا يمكن أبدا استبعاد فرضية الانفصال، إلا أن العناصر لا تبدو مجتمعة بعد”.

وفي الأشهر الأخيرة، أدلت السعودية بسلسلة تصريحات إيجابية بشأن علاقاتها مع روسيا، تشير إلى أن المملكة قلبت الصفحة.

روسيا التي أنهكتها التضحيات تريد إنتاج المزيد إلا أن السعودية تصر على حصص أكثر صرامة

وختم أنه حتى عندما “تفترق مسارات الدول الـ13 المنتجة للنفط المنضوية في التحالف ما إن تنتهي الأزمة، ستكون سابقة قد نشأت وسيكون من السهل أن توحدّ (الدول المنتجة) جهودها مجددا إذا لزم الأمر”.

ويتخوف خبراء من مناخ شبيه بأزمة مارس من العام الماضي، حيث أحجم الروس عن خفض الإنتاج استجابة لقرار السعودية، ما دفع الأخيرة إلى التلويح بإغراق السوق، ونتج عن ذلك تهاو في الأسعار أربك روسيا التي تعتمد في اقتصادها بشكل رئيسي على عائدات النفط.

ويقول الخبراء إن الموقف السعودي القائم على استمرار التخفيض والتحكم في الكميات المعروضة لا يلائم دولا أعضاء في أوبك+ وعلى رأس هذه الدول روسيا، وهو ما قد يهز الانفراج الهش بين البلدين، في الوقت الذي تجد فيه أوبك+ نفسها مرهونة بالتفاهمات الروسية السعودية.

وتأمل وكالة الطاقة الدولية أن يتعافى الطلب على النفط في 2021 بنحو 60 في المئة بعد أن انهار خلال الجائحة، متوقعة أن يرتفع استهلاك النفط بمقدار 5.4 مليون برميل في اليوم ليصل إلى 96.4 مليون يوميا في المتوسط خلال العام.

ومن شأن ارتفاع أسعار النفط أن يضاعف المخاوف المالية القائمة ويزيد من تفاقم القضايا الاقتصادية الجارية، مثل ارتفاع توقعات التضخم، وحتى بالنسبة إلى معظم البلدان المنتجة للنفط لا يمكن أن تعالج الزيادةُ المستمرةُ كلَّ المشاكل المالية العميقة التي تواجهها الحكومات.

وستخلق هذه الزيادة مساحة للبلدان المنتجة للنفط الأكثر ثراء، مثل السعودية والكويت، كي تواصل إستراتيجياتها طويلة الأجل للتكيف الضريبي والتنويع الاقتصادي، مما يخفف الضغط ويمكّن من إنجاز إصلاحات لا تحظى بشعبية سياسية ويسمح لهذه الدول بالتراجع عن البعض منها إذا لزم الأمر. ومع ذلك من غير المرجح أن تتخلى عن هذه الخطط لأن مبادرات التحول في مجال الطاقة مازالت تكتسب زخما على الصعيد العالمي.

كما سيسلط ارتفاع أسعار النفط المزيد من الضغوط على البلدان التي تراجعت عن دعم الوقود في السنوات الأخيرة لزيادة أسعار البنزين وغيرها من أسعار مشتقات النفط ببطء أكبر.