جهود تونسية لكسر الصورة النمطية لتقسيم الأدوار بين الجنسين

اختيار المحرر
قبل 3 سنوات I الأخبار I اختيار المحرر

يتبوأ الرجال في تونس وفي العالم أغلب مناصب صنع القرار في مختلف المجالات وخاصة منها مراكز صنع القرار السياسي. فرغم التطورات الكبيرة الحاصلة على المستوى التشريعي والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية، ورغم حملات المناصرة والدعم لتمكين النساء من بلوغ مراكز صنع القرار، إلا أن وجودهن في هذه المواقع يبقى ضعيفا فأغلب المكاتب التنفيذية للأحزاب السياسية والحقائب الوزارية السيادية ومناصب الرئاسة في الدولة مازالت حكرا على الرجال.

ولمناصرة المرأة التونسية من أجل المساواة بين النساء والرجال على مستوى النفاذ إلى مواقع مناصب صنع القرار السياسي (الكريديف)، أطلق مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة حملة رقمية عنوانها “المطبخ ليس فقط للنساء والسياسة ليست فقط للرجال”، وذلك تزامنا مع شهر رمضان الذي يغلب عليه التقسيم النمطي للأدوار بين النساء والرجال داخل الأسرة الواحدة.

ويقوم هذا الشعار أساسا على مبدأ التشاركية في تقسيم الأدوار فالمطبخ ليس فقط للنساء أي أنه واجب مشترك بين مختلف أفراد الأسرة، والسياسة ليست حكرا على الرجال أيضا لأنها مجال مشترك يجب أن يكون للنساء فيه نصيب متساو مع الرجال، وهو ما من شأنه أن يدفع نحو إعادة التفكير في هذا التقسيم المجحف في حق النساء.

ويهدف الكريديف من خلال هذا الشعار إلى كسر هذه الصور النمطية والمساهمة في خلق أرضية للتغيير الاجتماعي من أجل دعم مشاركة النساء في الحياة العامة والسياسية والدفع نحو مزيد تشريكهن في مواقع صنع القرار.

وتهدف هذه الحملة إلى تسليط الضوء على أهمية انخراط النساء في العمل السياسي، وتوعية الرأي العام بخصوص فاعلية القيادة النسائية في المجال السياسي، وجندرة الفعل السياسي والتعريف بمفهوم الحوكمة المندمجة في السياسة، وكسر الصور النمطية المتعلقة بأدوار النساء خاصة في شهر رمضان الذي تكثر فيه المواد الإعلامية والإشهارية.

ورغم ما جاء به دستور الدولة التونسية لسنة 2014 من فصول تدفع نحو مزيد ترسيخ ثقافة المساواة بين النساء والرجال، وخاصة منه الفصل 46 الذي فتح الباب لمزيد مشاركة النساء في الحياة السياسية عبر إرساء آلية التناصف الأفقي والعمودي ورغم ما تضمّنه القانون عدد 58 لسنة 2017 من فصول لضمان حق النساء في المشاركة السياسية، دون تمييز أو عنف من خلال تقديم تعريف واضح للعنف السياسي ضد النساء، وذلك في فصله الثالث، وطرح عقوبات ضد مرتكبيه لأول مرة وفي حال العود في الفصل 18، إلا أن مشاركة النساء في الحياة العامة والسياسية وتمكينهن من مناصب صنع القرار في الدول ما تزال دون المأمول.

وأكدت نجلاء العلاني المديرة العامة لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة أن هذه الحملة جاءت لتغيير صورة المرأة التونسية التي حصرتها في دائرة الفضاء الخاص (شؤون المنزل) وللمزيد من تعزيز نفوذها في المجال السياسي.

وقالت العلاني لـ“العرب” “رغم التطورات العديدة التي شهدها المجال التشريعي، على غرار القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017، إلا أن مشاركة المرأة التونسية في المجال السياسي ليست بالصورة المرجوة”.

وأضافت أن الحملة تم خلالها استعمال العديد من المحامل الرقمية على غرار المعلقات والفيديوهات، وهي حملة توعوية تهدف إلى كسر الصورة النمطية عن المرأة و تحقيق المساواة بين الجنسين.

ويعرف المجتمع التونسي صورة نمطية متعلقة بتقسيم الأدوار بين النساء والرجال تختزل دور النساء في مربع شؤون المنزل أي الفضاء الخاص، في حين تربط الرجال بالفضاء العام والمشاركة السياسية.

ورغم التشريعات الرائدة في تونس وحضور المرأة في مختلف المجالات، إلا أنها لم تتمكن من تقلد أحد أهمّ منصبين في هرم السلطة، رئاستي الجمهورية والحكومة.

وأكدت وزيرة المرأة السابقة نزيهة العبيدي أن نسبة حضور المرأة لا تتجاوز 26 في المئة بمجلس نواب الشعب مقابل 33.2 في المئة سنة 2014، و18.75 في المئة صلب الحكومة بـ6 أعضاء فقط من النساء (4 وزيرات وكاتبتا دولة) من مجموع 32.

كما أشار صلاح الدين الجورشي المفكر والأكاديمي التونسي إلى أنه رغم توفر الفضاءات، يوجد تعثر يجعل النساء يتقدمن في مشاركتهن بشكل بطيء، وذلك ما يدفع إلى التساؤل عن الأسباب العميقة لعدم بلوغهن مراتب متقدمة في الدولة.

وقال الجورشي إن تواصل تنازل النساء عن حقوقهن، خاصة في الأوساط الريفية، من أبرز الأسباب التي أبقت المرأة في وضع الضحية، فهي لا تتجرأ على المطالبة حتى بأبسط حقوقها، مثل حقها في الميراث الذي غالبا ما تتنازل عنه لرجال العائلة.

كما تتعرض النساء للتهميش الاجتماعي والاقتصادي، ذلك أن وضع القوانين ورفع شعارات المساواة بين المرأة والرجل لا يكفيان لضمان المشاركة الفعالة للمرأة، لأن تغيير العقليات وتفعيل الشعارات في الواقع أهمّ بكثير.

وأضاف الجورشي أن هذا الوضع تتحمل مسؤوليته النساء أنفسهن، داعيا المرأة التونسية إلى تحمّل المسؤولية كاملة وإجراء نقد ذاتي.

السياسة ليست حكرا على الرجال لأنها مجال مشترك يجب أن يكون للنساء فيه نصيب متساو معهم، ما يحد من الإجحاف في حقهن

ويبقى تواجد المرأة في الحكومات المتعاقبة بعد الثورة ضعيفا. فقد تولت فقط 3 مناصب وزارية في حكومة الترويكا التي تلت الثورة مباشرة، وهو ذات الأمر بالنسبة إلى حكومة مهدي جمعة التي أسندت بدورها 3 مناصب فقط للعنصر النسائي. فيما تولت 8 نساء مناصب في حكومة الحبيب الصيد بعد انتخابات 2014، من بينهن 3 وزيرات و5 كاتبات دولة.

ولم تصل المرأة في المقابل إلى رئاسة الحكومة ولا إلى وزارات السيادة مثل الدفاع أو الداخلية أو الخارجية، ولا إلى وزارات الاقتصاد والمالية، بل بقيت أغلبها تدير وزارات ذات صبغة اجتماعية متصلة بأوضاع العائلة والأطفال والشيوخ أو النهوض الاجتماعي.

وفي فبراير 2021 أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تونس حملة “لأني رجل”، الداعية إلى المساواة بين الجنسين خلال جائحة كوفيد – 19 وما بعدها.

وتهدف الحملة المدعومة من سفارة السويد بتونس إلى دعوة الرجال إلى الانخراط والالتزام بشكل عادل ومتساو في حياة أسرهم اليومية، بما في ذلك المشاركة في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية وإلى مكافحة العنف ضد المرأة وتعزيز مفهوم المساواة بين الجنسين ونشره.

ووجهت الحملة الدعوة للرجال في تونس إلى إظهار الجانب الإيجابي للرجولة من خلال التزامهم بالمساواة بين الجنسين داخل المنزل وخارجه، للتغلب على التحديات غير المسبوقة التي فرضتها الجائحة.

ولفتت الهيئة إلى أن إطلاق هذه الحملة في ظل جائحة كوفيد – 19 تزامن مع تسجيل آثار صحية واقتصادية واجتماعية أدت أيضا إلى تفاقم العنف وعدم المساواة القائم على النوع الاجتماعي وهشاشة وإفقار النساء والفتيات، مع زيادة مهامهن المنزلية.

وقالت بيغونيا لاساغباستر ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تونس إن جائحة كوفيد – 19 قامت في جميع أنحاء العالم بوضع عدسة مكبرة على جميع أوجه عدم المساواة، مؤكدة أن أوجه عدم المساواة بين الجنسين تتقاطع مع جميع أشكال عدم المساواة الأخرى.

وأضافت أن النساء في تونس، حتى قبل انتشار الجائحة، كن يقمن بأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر أكثر بخمس مرات من الرجال، موضحة أن جائحة كورونا أدت إلى زيادة الأعباء المنزلية على النساء اللاتي تمت دعوتهن لرعاية الأطفال وتعليمهم من المنزل مع تكفلهن بالأعمال المنزلية المتزايدة ومعايير النظافة الصارمة.

وتعاني المرأة العربية عموما من الإجحاف وعدم المساواة.

ورغم أن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة (بجين 1995) أقر منذ 14 سنة بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية، والتزمت بذلك العديد من الدول، إلا أن وضع المرأة في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم مازال أقل بكثير من إمكانية الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار، من زاوية تمثيل المرأة في السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ويقول المتابعون لشؤون المرأة العربية إن تمثيل  المرأة في المجالس النيابية في الدول العربية يعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت في ما بين الدول العربية في هذا الصدد. فبعض الدول لا تسمح بتولي النساء فيها مناصب قضائية، ودول أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلا منذ فترة قريبة. كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء، ناهيك عن شبه انعدام وجودها في مناصب المحافظين وفي المناصب العسكرية والأمنية، مشيرين إلى أن هناك جهودا عديدة بعد مؤتمر بجين لمشاركة المرأة في صنع القرار، ولكنها ليست بالقدر المطلوب.