هل صادفك يومًا منشور على فيسبوك يخبرك أن رشّ الملح في أركان المنزل يطرد الطاقة السلبية ويجلب راحة نفسية مفاجئة؟ أو شاهدت فيديو يتحدث عن سحر القواقع في تحسين العلاقات الزوجية؟
أنت لست وحدك في هذا العالم الافتراضي المليء بالأوهام العلمية التي تغزو العقول تحت لافتات براقة مثل “الطاقة الإيجابية” و”تنظيف الهالة”.
في جولة بين أشهر الخرافات العصرية، تبدأ الحكاية من رش الملح، عادة ضاربة في عمق الفلكلور الشعبي، خصوصًا في مصر والدول العربية، حيث ارتبط رش الملح بالمناسبات السعيدة كـ”أسبوع المولود” وطقوس الحماية من الحسد.
حتى الشاعر صلاح جاهين وثقها في “الليلة الكبيرة” بقوله “يا أم المطاهر رشي الملح 7 مرات”.
مكانة خاصة
تاريخيًّا، للملح مكانة خاصة منذ زمن الفراعنة، ليس بسبب الطاقة الإيجابية بل لدوره في التحنيط.
ومع تطور الزمن، تغيّر فقط غلاف الحكاية، فاليوم لم تعد بائعة السوق تتحدث عن “إبعاد العكوسات”، بل صارت “سيدة مجتمع” تروج على “جروبات الماميز” لورشات “علاج بالملح” بالدولار، مع كلمات رنانة مثل “الطاقة الإيجابية” و”تنظيف الهالة”.
قواقع وسلاحف
وليس الملح وحده البطل في هذه الحكاية، بل يمتد المشهد إلى القواقع، والسلاحف، وألوان المحافظ، ووضعية الموقد بجوار الحوض، وحتى وجود النمل في المنزل صار له “تفسير طاقي” يبعد تمامًا عن النظافة.
على الشاشات، تنطلق تصريحات مثيرة: موقد النار بجانب الماء يُدمر حياتك الزوجية، لون محفظتك يحدد دخلك الشهري، والصراصير ليست علامة على قلة النظافة بل على “عين حسود”.
الأمر لا يتوقف هنا، بل هناك من يُحذر من “عرايس الأطفال” (الدمى) التي قد تكون وراء انحراف الأبناء، في سيناريو لا يخلو من الإثارة.
لكن لماذا ينجذب البعض إلى مثل هذه الخزعبلات؟
الجواب بسيط: الإبهار وسهولة الحل. لماذا نتعب أنفسنا في التغيير والسلوكيات الإيجابية حين يمكن للملح أن يُعيد الحب إلى بيتك، أو للقواقع أن تضمن نجاحك في العمل؟ لماذا نعترف بمسؤولياتنا بينما يمكننا ببساطة تعليق كل الإخفاقات على “الطاقة السلبية”؟
محتوى مشوق
خبراء علم النفس يوضحون أن الأشخاص الأكثر عرضة لتصديق هذه المعتقدات هم أصحاب الشخصيات القابلة للإيحاء، وغالبًا يكون النساء أكثر تأثرًا بسبب الاستعداد الفطري للمشاعر، بينما يؤدي المحتوى المشوق والتغليف “العلمي الزائف” دور البطولة في تضليل الجميع.
الحقيقة، كما يؤكدها العلم، أن الصحة النفسية والسعادة ليست نتيجة قواقع ولا ألوان محافظ ولا رش الملح، بل ثمرة جهد وتدريب وتواصل صحي وبناء علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم.
السعادة ليست سبع رشات ملح في أركان المنزل، بل مهارة تُكتسب بالوعي والممارسة. أما القواقع، فمكانها في البحر، لا في زوايا البيوت.
الجزيرة نت