“هل نريد أن نعيش في عالم حيث يتم استهداف الحبّ، أم يتم الاحتفال به، حيث يعيش الناس بخوف أو بكرامة؟”، هذا هو السؤال الذي وجّهه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون سنة 2017 لكافة مجتمعات الأرض، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة رهاب المثلية أو الهوموفوبيا، الذي يحتفل به في 17 مايو من كل عام.
وجاء في تصريحات بابا الفاتيكان في فيلم وثائقي عن حياته، “للمثليين حق في تكوين أسرة”، مضيفا “إنهم أبناء الرب ولهم حق تكوين أسرة. لا ينبغي طرد أحد أو تحويله إلى بائس بسبب ذلك”.
وفي 17 مايو من عام 1990 أعلنت منظمة الصحة العالمية حذف المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية، لتصبح المثلية ميولا جنسيا طبيعيا لا يمكننا أن نشجعه، كما لا يمكننا أن نقمعه مهما حاولنا.
ويحتفل باليوم العالمي لمكافحة رهاب المثلية الذي يقام في 120 دولة، على الرغم من المسيرات التي تنادي بالحفاظ على العائلة وترفض المثلية باعتبارها تهدم مفهوم الأسرة.
ويخضع المثليون في كل أنحاء العالم اليوم للتمييز في كل جوانب الحياة اليومية، والطريق أمامهم طويلة لتحقيق ذواتهم.
وفي الدول العربية مازال الطريق طويلا أمام المثليين للحصول على حقوقهم المدنية خاصة رغم تحركات جمعيات عديدة تدافع عنهم وتسعى لحمايتهم من التنمر والملاحقات القضائية، إذ مازالت الأخبار تتوارد حول مضايقات بحقهم، حتى أن بعضهم ممن سنحت لهم الفرصة غادروا بلدانهم طالبين اللجوء في دول أوروبية تعد آمنة لهم رغم الصعوبات التي يواجهها بعضهم هناك.
وفي أفريقيا أيضا، تعتبر العلاقات الجنسية المثلية جريمة، ويمكن أن تؤدي إلى السجن أو عقوبة الإعدام، ولا تسمح سوى جنوب أفريقيا بزواج المثليين.
عقدان من الزواج
قبل 20 عاما بالضبط، عقد رجلان مثليان وثلاثة أزواج من المثليات قرانهم في مدينة أمستردام، وصنعوا التاريخ، حيث أصبحت هولندا أول دولة تسمح بزواج المثليين، وهي خطوة تبعتها حوالي 30 دولة أخرى منذ ذلك الحين.
بالمقابل مازالت الاحتجاجات في مختلف دول العالم ترفض هذه الزيجات بحجة حماية العائلة وكان آخرها في ليتوانيا السبت الماضي في مسيرة تندد بمشروع قانون يرمي إلى تشريع زيجات المثليين.
ويعتبر المتظاهرون أن زيجات المثليين تهدد القيم العائلية التقليدية، وقال ألفريداس (55 عاما) الذي لم يكشف اسم عائلته، “هذا الأمر غير مقبول لي ولأبنائي وأحفادي”.
وخلال العقدين الماضيين منذ دخول قانون زواج المثليين حيز التنفيذ، تزوج الآلاف في هولندا، فيما مثل 1.7 في المئة من جميع الزيجات، وفقا لمكتب الإحصاء الهولندي.
ورغم الحظر الذي أصدره الفاتيكان مؤخرا على مباركة زواج المثليين، قررت الكنائس الكاثوليكية الألمانية الاثنين الماضي إقامة ما مجموعه مئة قداس للمباركة، وأقيم بعضها بالفعل الأحد.
وتسعى المبادرة إلى مباركة كل أنواع الزيجات في كل أنحاء ألمانيا تحت شعار “الحب ينتصر”، سواء كانت هذه الزيجات لمثليين أو سحاقيات أو مختلفي الجنس، ويعتبر هؤلاء الكهنة مثل هذه الخطوة احتجاجا منسقا ضد القرار الصادر منذ فترة قصيرة من مجمع “عقيدة الإيمان” التابع للفاتيكان بحظر مباركة زواج المثليين.
وتظهر البيانات الرسمية أن حوالي 750 من المثليات و620 من الأزواج المثليين تزوجوا في المتوسط سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية، وهناك الآن حوالي 20 ألفا من الأزواج المثليين المتزوجين الذين يعيشون في البلاد.
750 من المثليات و620 من المثليين تزوجوا في المتوسط سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، انتهى أكثر من 400 زواج مثلي بالطلاق في المتوسط سنويا. وكان معدل الطلاق بين المثليات ضعف المعدل المسجل لدى الرجال المثليين.
وأصبح زواج المثليين قانونيا في 28 دولة هي الأرجنتين، أستراليا، النمسا، بلجيكا، البرازيل، بريطانيا، كندا، كولومبيا، كوستاريكا، الدنمارك، الإكوادور، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، أيسلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، مالطا، المكسيك، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، البرتغال، جنوب أفريقيا، إسبانيا، السويد، أوروغواي والولايات المتحدة.
ويعترف ما مجموعه 34 دولة بشكل من أشكال الشراكة المدنية للأزواج من نفس الجنس. وتعارض العديد من الجماعات الدينية زواج المثليين بشدة، بالمقابل قال البابا فرنسيس إنه يجب حماية الأزواج من نفس الجنس بموجب قوانين الزواج المدني، لكن المكتب المعني بشؤون العقيدة في الفاتيكان قال إن الكنيسة الكاثوليكية لا تملك سلطة مباركة زواج المثليين.
ووجدت دراسة استقصائية أجرتها مجموعة الدفاع العالمية عن مجتمع الميم (المثليين) وشركة الأبحاث ريوي شملت حوالي 100 ألف شخص في 65 دولة سنة 2016 أن ما يقرب من ثلث البالغين على مستوى العالم يعتقدون بأنه يجب السماح للأشخاص من نفس الجنس بالزواج.
بيننا ونرفضهم
تعد المثلية في العالم العربي أمرا مرفوضا لا نقاش فيه، فمعظم الشعوب والدول العربية تعارض هذا الزواج رغم وجود هذه العقود منذ القديم، ويقال إن مصر هي من البلاد القليلة التي سمحت منذ أكثر من 100 عام بالزواج من نفس الجنس، آخرها كان في سيوة، لكن لحد الآن لا توجد دولة عربية تقنن زواج المثليين أو حتى تفكر في القيام بذلك في المستقبل القريب رغم سعي الجمعيات المناصرة لهم، بل تجرمه كل القوانين المعتمدة على الشريعة الإسلامية.
وعلى الرغم من أن غالبية السكان في هذه الدول يتعايشون مع المثليين باعتبار عددهم المتزايد في المجتمع، إلا أنهم لا يسمحون لهم بالظهور في العلن وطلب حقوق خاصة بهم، مثل الزواج أو التبني وغيره.
ويقول المدافعون عن حقوق المثليين والمتحولين جنسيا إن العلاقات الجنسية غير النمطية، مثل الميول الجنسية تجاه شخص من ذات النوع، موجودة منذ أن بدأت البشرية، وموجودة في كل المجتمعات العربية، شئنا أم أبينا، وهم اليوم جزء من نسيج المجتمعات بكافة تنوعاتها العرقية والطائفية، لذلك يعدّ تعرضهم للظلم والإيذاء والعنصرية والقمع والاعتقال التعسفي أمرا مرفوضا تماما ويجب وقفه بكل الطرق.
حقوقيون يرون أنه من غير المقبول تعرض أي فرد للاعتداء أو الإيذاء أو العنصرية بسبب ميولاته الجنسية
وقال المغني حامد سنو العضو في فرقة “مشروع ليلى” اللبنانية في تسجيل لفائدة هيومن رايتس ووتش التي نظمت سنة 2018 حملة “لست وحدك” لدعم حقوق المثليين وثنائيي الميول والمتحولين جنسيا العرب، “كنت أشعر كأني مسخ وبأن ثمة خطأ في فكرة وجودي وكان هناك كثيرون يسخرون مني ويضربونني. كنت أشعر بأنني وحيد”. ويضيف سنو أن “هذا الأمر صعب، خاصة عندما نكون صغارا، ويبقى صعبا لكنه يصبح أسهل عندما نكبر ونستوعب الملابسات التي تحيط بنا في مجتمعاتنا الذكورية، فالمثليون أكثر عرضة للتنمر من الرجال وكأننا (كمثليين) نهينهم في رجولتهم عكس النساء الأكثر تسامحا معنا”.
وقالت ريما، وهي امرأة ثنائية التوجه الجنسي من لبنان “رجال الدين والحكومة والأهل، جميعهم يتدخلون في حياتك الجنسية. أقول لك، إن هذا لا يعنيهم، وإن جسدك ورغباتك وأفكارك هي ملكك وحدك. إن لم يعجبهم ما تكونين، فإنهم على خطأ”. ومن ليبيا، قال أحمد وهو مثلي الجنس “أنا إنسان لا أختلف عن الآخرين، ولدي حقوق. سأدافع عن هذه الحقوق”.
كما أوضح أحد الناشطين من عُمان أنه بدأ وعدد من أصدقائه في التحرك بشكل محتشم، مشيرا إلى “تنظيم حفلات للشبان المثليين من أجل اللقاء وإقامة الشبكات في فضاء آمن كي يتمكنوا من مساعدة بعضهم في المستقبل”.
ويقول حقوقيون من مختلف الدول العربية إن الحفاظ على الكرامة الإنسانية هو هدف أساسي للدساتير والقوانين، وبالتالي من غير المقبول تعرض أي فرد للاعتداء أو الإيذاء أو العنصرية بسبب ميولاته الجنسية، فأي علاقة داخل الأبواب المغلقة لا علاقة لأحد بها، ولكن الخروج بهذه العلاقة إلى العلن يعني مواجهة التشريعات والقوانين التي ترفضها، ومواجهة التقاليد التي تدينها، خاصة في مجتمعات محافظة.
بقعة ضوء
على الرغم من الانتهاكات التي توردها التقارير الإعلامية في حق المثليين والمتحولين جنسيا، إلا أن صحيفة لوموند الفرنسية ترى “أنه من المناسب تسليط الضوء على النجاحات التي حققتها هذه الفئة من المجتمع حتى نكشف أن هذه المنطقة (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) ليست هوة سوداء”.
فنضالات وضغوط المجتمع المدني والجمعيات في تونس ولبنان مثلا، دفعت في البلدين إلى تفادي إجراءات “الفحوص الشرجية القسرية” والتي كان ينظر إليها بمثابة “الدليل” على المثلية الجنسية. كما أدانت المحاكم المغربية العنف الممارس ضد المثليين، ما يمثل خطوة إلى الأمام في مجال تطوير الحقوق.
ويقول طارق زيدان مدير مؤسسة “حلم” في لبنان للدفاع عن حقوق المهمّشين، إن العلاقات الجنسية المثلية موجودة منذ أن بدأت البشرية، وموجودة في كل المجتمعات العربية، ويمثل الأفراد الذين لديهم هذه الميول جزءا من نسيج المجتمعات، وبالتالي تعرضهم للظلم والإيذاء والعنصرية والقمع والاعتقال التعسفي أحيانا هو أمر مرفوض تماما ويجب وقفه بكل الطرق. ويرفض طارق استخدام كلمة “شذوذ” لوصف العلاقات المثلية، ويرى أن الوصف الصحيح هو أنها علاقات غير نمطية.
ويقول منير بعتور رئيس جمعية “شمس” المدافعة عن حقوق المثليين في تونس، إن الكثير من المثليين الذين يتعرضون للابتزاز أو السرقة أو الاعتداء الجنسي لا يلجأون إلى الشرطة، لأنهم يعلمون أنهم سيتعرضون للاعتقال، مشيرا إلى أن القانون يضع المثليين في درجة غير متساوية مع بقية المواطنين، إذ يحرمهم من حق الوصول إلى العدالة، رغم أن التقاضي حق تكفله كل الدساتير العربية.
وأضاف بعتور في تصريح سابق لـ”دويتشه فيلله”، أن هناك إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية تتحدث فيها عن أن نسب المثليين في شمال أفريقيا تتراوح بين 7 و10 في المئة، وهو وضع سيؤدي في النهاية إلى إلغاء تجريم المثلية، لأن “المسار التاريخي يؤكد أن الشعوب التي تحرّرت في البلدان المتقدمة ألغت التجريم، وأضحى المثليون فيها يعيشون حياة طبيعية”.
وفي لبنان وتونس استجابت المؤسسات الحكومية لدعوات إنهاء الفحوص الشرجية بعد الضغط من قبل ناشطين محليين ودوليين.
وفي المغرب تعرض المثليون إلى حملة تشهير على مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2020، وبلغ عددهم بحسب منظمة نسويات مئة مثلي، دفعت البعض إلى الهجرة، فيما أقدم آخرون وعددهم قليل على الانتحار خوفا من الانتقام.
وتحاول جمعيات حماية هؤلاء مثل جمعية نسويات التي أعدت تقريرا، بالتعاون مع مجموعات مدافعة عن حقوق المثليين بالمغرب؛ مثل “أطياف”، و”أقليات”، “وفيق طيري”، و”سقف”، و”مجموعة العمل النسوية”، و”قصبة تال فين”، و”لقاءات”، و”تانيت”.
ويفيد التقرير أنه على الرغم من أن دستور 2011 ينصّ على حق كل فرد في الحياة والحق في الأمن والأمان، فإن “الحكومة لا تزال تفشل في ضمان سلامة وأمن جميع مواطنيها من العنف… بغض النظر عن حياتهم الجنسية”.
ودعا التقرير إلى “وقف القوانين التمييزية التي طُبّقت منذ الفترة الاستعمارية”، مسجلا ”استمرار افتقار مجتمع المثليين إلى الخدمات المباشرة” المتعلقة بالصحة العقلية والجسدية.
وتبقى القضية الأساسية في ملف العلاقات المثلية والمتحولين جنسيا هي البحث عن أرضية مشتركة تضمن عدم تعرض هذه الفئة من المجتمع للاعتداء والتنمر والعقوبات، وفي نفس الوقت احترام ثقافة المجتمع وقوانينه التي تفرض قيودا على العلاقات الجنسية. وهي مهمة صعبة في ظل تعقيدات هذا الملف وارتباطه بمجموعة كبيرة من المفاهيم الاجتماعية والسياسية والدينية.