يقول تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، والخبير حاليا بمعهد الشرق الأوسط "الولايات المتحدة تحاول منذ عقدين بناء نظام دفاعي متكامل بالخليج. ولكنها فشلت بسبب الخلافات بين شركائها الخليجيين" مضيفا أنه غير متأكد من مصير هذا المشروع بعد التوافق الخليجي مؤخرا.
وجاءت كلمات دان خلال حديثه للجزيرة نت حول إعلان كبير مسؤولي الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض بريت ماكغورك، خلال كلمة له أمام منتدى المنامة، يوم الاثنين، أن بلاده تعمل على بناء بنية تحتية متكاملة للدفاع الجوي والبحري بالشرق الأوسط، في وقت تتصاعد فيه التوترات مع إيران المتهمة بزعزعة الاستقرار عبر شن هجمات على سفن بمياه الخليج. من جانبه، أعلن قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال مايكل كوريلا، خلال المنتدى نفسه، أن فرقة عمل تقودها واشنطن ستنشر أكثر من 100 سفينة مسيّرة بالمياه الإستراتيجية لمنطقة الخليج بحلول العام المقبل لدرء "التهديدات" البحرية.
تجديد مبدأ كارتر مثّل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 دافعا لبدء تعامل واشنطن مع دول الخليج الست كوحدة واحدة، عندما يتعلق الأمر بالمصالح الإستراتيجية لها في المنطقة. وكان إعلان الرئيس السابق جيمي كارتر في خطاب حالة الاتحاد عام 1980 أن "أي محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية لنا، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية" رسالة جادة ومباشرة لمن يفكر في الاقتراب عسكريا من الخليج.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، إلى أن "هذه خطوة تسعى واشنطن لها منذ عقود". وقال ماك الذي يعمل حاليا بالمركز الأطلسي بواشنطن "منذ إعلان مبدأ كارتر ظهرت مقاومة كبيرة للتعاون المتعدد الأطراف بين دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت أحد أهم المشاكل الرئيسية. فهذه الدول تفضّل التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة على التنازل عن جزء من سيادتها من خلال التعاون مع جيرانها. والآن بعد أن تحسنت العلاقات فيما بينها وبين دول أخرى خاصة تركيا، قد يكون الوقت مناسبا".
ما الذي تريده واشنطن؟
يُعد هدف بناء نظام أمني جماعي خليجي تُشرف عليه واشنطن تحديا كبيرا للولايات المتحدة، خاصة مع استمرار لعب الخليج دورا محوريا في منظومة الطاقة العالمية. وبالنظر إلى تركيز إدارة جو بايدن على المنافسة الجارية مع الصين، وإلى حد ما روسيا، يريد البيت الأبيض إقناع الشركاء الخليجيين بأن الولايات المتحدة -وليس الصين أو روسيا- هي من يجب اللجوء إليها للحماية من التهديدات الإيرانية.
وفي الوقت الحالي، تشكل الولايات المتحدة العمود الفقري للشبكة الإقليمية للدفاع الجوي والصاروخي التي تتخذ من قاعدة العديد في قطر مقرا. كما توفّر واشنطن جميع أنظمة الإنذار المبكر والتتبع المعتمد على الأقمار الصناعية للعديد من حلفائها بالمنطقة.
وتحدّث ديفيد دي روش، المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن، للجزيرة نت، عقب مشاركته بمنتدى المنامة الأمني، أنه "كثيرا ما تعرض الشركاء الأمنيون للولايات المتحدة لهجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية، بعضها أطلقته طهران نفسها، وآخر أطلقه وكلاؤها مثل الحوثيين". وبالعودة 15 عاما للوراء، يقول دي روش: سعت واشنطن لبناء شبكة من شأنها دمجها والحلفاء (مثل السفن البريطانية والفرنسية مع رادارات مضادة للصواريخ) والشركاء المحليين (مثل دول مجلس التعاون الخليجي) معا، بحيث يندمج كل جهاز استشعار -مقره الجو أو الفضاء أو على متن السفن أو الشاطئ- لإدراك التهديدات المشتركة.
وبمجرد التأكد من جدية التهديد، يكون الهدف هو أن تساهم كل دولة بإطلاق النار -عبر صواريخ عالية المدى، وصواريخ متوسطة المدى، وصواريخ ودفاعات أخرى- لتحييد التهديد المشترك، وفق المسؤول الأميركي السابق. وظل هذا الجهد جاريا لبعض الوقت، كما قال دي روش، ولكنه يفشل بسبب عدم امتلاك جميع الأطراف لكل المعدات المختلفة، ولعدم ثقة الدول المحلية في بعضها البعض، حيث تفضل كل دولة أن يكون لديها قدرتها المستقلة الخاصة والمنفصلة على توفير الدفاع عن نفسها.
ويقول دي روش إن ما يزيد الأمر تعقيدا هو الجغرافيا، فالسعودية أكبر بكثير من شركائها لدرجة أن أي نظام إقليمي يجب أن يركز إلى حد كبير على هذه المملكة، وهو ما لا يروق لبقية الحلفاء الإقليميين. تداعيات كبيرة وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر مدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو أن "إدارة بايدن تحاول أن تثبت لأعضاء مجلس التعاون الخليجي التزامها بأمنهم في وقت تشكك فيه هذه الدول بشكل متزايد في مثل هذا الالتزام". كما أن المخاوف المتزايدة بين قادة الخليج وإسرائيل -بشأن سلوك إيران الإقليمي وتهديداتها- تحدد السياق الذي يساعد المرء على فهم سبب حرص المسؤول الأميركي ماكغورك على التأكيد على هذه النقطة أثناء وجوده بالبحرين.
وجاءت التصريحات الأميركية في وقت ألقت فيه تل أبيب باللوم على إيران في غارة بطائرة بدون طيار قبالة سواحل عُمان، الأسبوع الماضي، أصابت ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية. ويعتقد كافيرو أن تصريحات ماكغورك تهدف بالأساس إلى "إقناع شركاء واشنطن من دول الخليج العربية بأن التهديد الذي تشكله طهران هو تهديد يأخذه البيت الأبيض على محمل الجد".
من ناحية اخرى، أشار كافيرو إلى أن "تزايد التعاون العسكري الإيراني الروسي بالحرب الأوكرانية، حيث تستعرض طهران تكنولوجيا الطائرات بدون طيار بهذا المسرح، يثير بعض المخاوف في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي وتل أبيب بشأن التقدم في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الإيرانية". هدف حالي ليس بالضرورة مستقبليا وتعمل إدارة بايدن على "محاولة توسيع عمق ونطاق اتفاقات أبراهام (للتطبيع) من خلال المساعدة في إنشاء بنية أمنية جديدة بالشرق الأوسط حيث يوجد تعاون دفاعي متزايد بين الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة التهديدات التي تشكلها الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية" طبقا لكافيرو. ويرى دي روش أن "إيران قامت بعمل جيد في تسليح الجماعات التابعة لها، وتوسيع التهديد الصاروخي للخليج بحيث لا يكون فقط من الشرق، ولكن أيضا الآن من الجنوب (الحوثيين) ومن الشمال (الوكلاء العراقيين). وفي الوقت الحالي إيران هي الدولة الوحيدة التي تهدد وتطلق الصواريخ والطائرات بدون طيار على أهداف مدنية بدول الخليج". من جانبه، أعتبر السفير ماك أن إعداد بنية تحتية لمثل هذه الترتيبات الأمنية "يستغرق عقودا لتنفيذها بالكامل، وإيران هي التهديد الرئيس الوقت الحالي، لكن هذا ليس شيئا جامدا، ففي المستقبل القريب قد تكون الصين أو حركة إرهابية هي مصدر هذا التهديد".