تضم منطقة هايتشو الصينية أحد أكبر أسواق النسيج في البلاد، وتتراصف مهاجع العمال ومصانع النسيج في مبان ذات ألوان زاهية مكدسة بالقرب من بعضها بحيث يمكن للجيران مصافحة بعضهم البعض من النوافذ.
كانت المنطقة ذات يوم عبارة عن قرى ريفية قليلة، وأصبحت مركزا للتصنيع بعد أن فتحت الصين اقتصادها منذ عقود، لكنها الآن تقف على حافة الخطر بسبب القيود الكبيرة التي فرضتها الحكومة على المنطقة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
وفي أوقات ازدهارها، جاء العديد من العمال إلى هذه المنطقة مستفيدين من تراجع الحكومة الصينية في التسعينات عن سيطرتها على الاقتصاد، مما زاد تسارعه بصورة كبيرة وأسس لعقد اجتماعي يتمتع فيه المصنعون بحرية تجارية نسبية مقابل عدم التدخل في السياسة. "صفر كوفيد" لكن السياسة عادت إلى التدخل في الاقتصاد بعد فرض سياسة صفر كوفيد. ونقلت الصحيفة عن عامل من المنطقة قوله إن تباطؤ الاقتصاد يهدد بجعله بلا مأوى.
وقال الرجل، وهو خياط عمره 31 عاما إنه "لا يوجد عمل كاف للجميع"، مضيفا "لا يمكنك الذهاب إلى الفراش كل ليلة وتضطر إلى البحث عن عمل في الصباح. إنه أمر متعب للغاية".
"سخط عارم" وبعد أسابيع من الإجراءات المشددة المرتبطة بسياسة صفر كوفيد، انفجرت منطقة هايتشو في سخط عارم، حيث تحدى مئات العمال قواعد الإغلاق واحتشدوا في شوارع المنطقة الثلاثاء، مطالبين بالحرية. وكسر العمال حواجز الشوارع وألقوا الزجاجات على الشرطة، بينما كانت شرطة مكافحة الشغب تذرع الأزقة الضيقة للمدينة.
ويتحرك جهاز الأمن الصيني لقمع المظاهرات ضد "صفر كوفيد"، وهي الاحتجاجات الأكثر انتشارا التي شهدتها الصين منذ تيانانمين في الثمانينات. واحتجزت الشرطة وهددت المشاركين في جميع أنحاء البلاد. وفي حين أن الحكومة لم تعترف علنا بالاحتجاجات، فقد حاولت أيضا تخفيف الغضب العام من خلال تخفيف القيود، بما في ذلك رفع بعض عمليات الإغلاق في قوانغتشو، الإقليم الذي تتبع له هايتشو.
توسيع القبضة يقوم الرئيس الصيني، شي جين بينغ ، الزعيم القوي للبلاد، بتوسيع قبضة الحزب الشيوعي الصيني على شعبه بما يتجاوز ما حققه حتى، ماو تسي تونغ، وفق الصحيفة. لقد شي نجاح سياسة "صفر كوفيد" بشرعيته كحاكم قوي للبلاد يريد أن ينقل الصين إلى مكانة أخرى. لكن يضر هذا التحول بالعقد الاجتماعي الطويل الأمد للحزب مع شعبه، فبعد سحق المظاهرات المؤيدة للديمقراطية بعنف في ميدان تيانانمين في عام 1989، أبرمت بكين صفقة ضمنية مع الشعب، ففي مقابل القيود المفروضة على الحريات السياسية والحكم الاستبداي القاسي، سيحصل الناس على الاستقرار والراحة والأمان، بحسب الصحيفة.
لكن يبدو أن هذا العقد قد انفرط، وبات الصينيون أمام تحد جديد، وهو الوقوف في وجه الاستبداد، وتوسيع المطالب من إلغاء سياسة "صفر كوفيد" إلى المطالب بالحريات ورحيل الرئيس شي. واقتصاديا، خفضت العديد من المصانع مبيعاتها بسبب تباطؤ الاقتصاد وعمليات الإغلاق التي خنقت الطلب على السلع الجديدة. ولم تؤثر السياسة على العمال البسطاء فحسب، بل حتى على عمالقة الإنترنت في الصين. وأعلنت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة علي بابا عن خسارة صافية بلغت حوالي 3 مليارات دولار في الربع الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى ضعف الطلب الاستهلاكي. وسرحت تينسنت، الشركة الأكثر قيمة في الصين، آلاف الموظفين هذا العام، وهي المرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمان التي تتقلص فيها قوتها العاملة. الديمقراطية وحرية التعبير وكانت الاحتجاجات التي اندلعت خلال الأسبوع الماضي مركزة على سياسات فيروس كورونا الصارمة، لكن بعض المتظاهرين وسعوا مطالبهم لمواجهة الحزب بشكل مباشر. وفي بكين وشنغهاي وأماكن أخرى، هتفوا من أجل الديمقراطية وحرية التعبير ووضع حد للاستبداد الذي مكن "صفر كوفيد" في المقام الأول. لكن الأجهزة الأمنية أصبحت أقوى بعد ثلاث سنوات من التمرين على تطبيق الضوابط. كما أنه ليس من الواضح كم من المتظاهرين يشاركون المطالب، أو التطلع، لمزيد من الحرية السياسية. وركز العمال الغاضبون في قوانغتشو على الحق الأساسي في العمل والتحرك بحرية. وإذا تمكنت الصين من الحد من تأثير تفشي المرض في المستقبل مع تخفيف القيود، فقد يتلاشى الشعور بالظلم المشترك. وحتى بعد أن خففت مدن مثل قوانغتشو القيود بعد الاحتجاجات، كانت الطبقة العاملة قلقة من أن المسؤولين المحليين كانوا يحاولون فقط تجنب المزيد من الدعاية السيئة، وركزوا على عدم الاستماع إلى مطالب الناس.