صدر قبل أسابيع بحث علمي يوضح مدى القلق الذي يعتري الشباب والمراهقين -لا سيما الفتيات- بسبب أجسادهم، وركّز البحث على صورة الجسد لدى الشباب من الجنسين في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فتبين أن 75% من المراهقين والمراهقات في سن 12 عاما يكرهون أجسادهم ويشعرون بالحرج من مظهرهم، وارتفعت النسبة إلى 80% لدى الشباب في سن 18 عاما.
ونشرت صحيفة "ذا غارديان" (The guardian) البريطانية نتائج المسح الذي أجرته مؤسسة "ستيم 4" الخيرية للصحة العقلية للشباب، وشمل 1024 شابا وشابة تتراوح أعمارهم بين 12 و21 عاما. ووفق المؤسسة الخيرية، فقد أظهر البحث أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ "إجراءات عاجلة" على هذا الصعيد. وقالت المستشارة في علم النفس العيادي والرئيس التنفيذي لمؤسسة "ستيم 4" الدكتورة نيهارا كراوس "نحتاج إلى تحسين فهمنا للتأثير القهري الذي يحدثه المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، وأثر الخوارزميات المستخدمة في هذه الوسائل على الصحة العقلية لأجيال المستقبل". ووفق إحصاءات أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أخيرا، فإن أكثر من 13% من المراهقين -الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما- يعيشون مع اضطراب عقلي تم تشخيصه وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية. وهذا يمثل 89 مليون مراهق و77 مليون مراهقة. وسنويا، ينتحر 46 ألف طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما (نحو واحد كل 11 دقيقة).
وأظهرت دراسة أخرى أن مشكلات الصحة النفسية زادت بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما بأكثر من 25% منذ عام 2017، وهي لدى الفتيات أعلى بكثير منها لدى الأولاد، إذ لوحظ وجود ميول انتحارية لدى واحدة من كل 10 فتيات في عمر 16 عاما.
فلماذا يكره الشباب والمراهقون أجسادهم؟ وما أسباب الكآبة والميول الانتحارية لديهم؟ وما دور وسائل التواصل الاجتماعي في كل هذا؟ وهل تؤثر هذه الوسائل "الرأسمالية" التي لا يهمها سوى الربح على الصحة العقلية للأجيال الجديدة؟ إنستغرام نموذجا يتم دمج الميزات الموجودة داخل منصة "إنستغرام" -التي تولّد مشاعر سلبية لدى الفتيات المراهقات تجاه صورة أجسادهن- في صميم عمل المنصة. وقال باحثون وموظفون سابقون في إنستغرام إن الشركة أخفت معلومات تأكدت لديها بشأن تأثير المنصة السلبي على المستخدمين الشباب. وأدركت شركة فيسبوك -التي تملك إنستغرام- منذ سنوات طويلة أن هذه المنصة ضارة بالصحة العقلية لكثير من المراهقين -لا سيما الفتيات- ولكنها أخفت هذه المعلومات عن العامة، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal).
وأكد باحثون وموظفون سابقون في فيسبوك أن مشكلات إنستغرام قد تكون متأصلة في النظام الأساسي، وبالتالي يكاد يكون من المستحيل إصلاحها. وقالت ياسمين فردولي -الأستاذة الباحثة في جامعة "نيو ساوث ويلز" الأسترالية، وتركز في بحوثها على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صورة الجسد- إن "إنستغرام يعتمد على الصور، لذا فمن الصعب ألا تجعله بيئة تُركز على المظهر (…) قد نكون قادرين على تقليل الضرر، ولكن ستكون هناك دائما بعض الطرق التي يكون فيها إنستغرام ضارا"، حسب مجلة "تايم" (Time) الأسبوعية الأميركية. المقارنة واليأس إحدى الطرق التي تؤثر بها وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للمراهقين تكمن في "المقارنة الاجتماعية السلبية"، أو ما يسميه عالم النفس الدكتور دون غرانت مدير مؤسسة "نيوبورت" لخدمات المرضى الخارجيين "المقارنة واليأس"؛ إذ "يُمضي المراهقون الكثير من أوقاتهم في مراقبة حياة أقرانهم وصورهم على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهذا يؤدي إلى مقارنات مستمرة يمكن أن تلحق الضرر بتقدير الذات وصورة الجسد، مما يؤدي إلى تفاقم الاكتئاب والقلق بين المراهقين".
ووفقًا لتقرير صادر عن مركز "بيو" للبحوث حول الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين، يقول 26% ممن شملهم البحث إن هذه المواقع تجعلهم يشعرون بالسوء تجاه حياتهم، حسب ما ذكرته منصة "نيوبورت أكاديمي" (newport academy) في تقرير لها أخيرا. صورة الجسد هي إحدى المجالات الأساسية التي تؤدي فيها المقارنة الاجتماعية للمراهقين إلى مشاعر سلبية، وتحديدا لدى البنات. وعندما تقارن الفتيات صورهن على وسائل التواصل بصور المشاهير المنسقة و"المفلترة"، فإنهن يشعرن بالدونية؛ مما يؤدي إلى تدني احترام الذات، وتبني صورة سلبية عن أجسادهن. ولا يقتصر الأمر على إنستغرام أو تيك توك، فقد تم ربط فيسبوك أيضا بزيادة أخطار الإصابة باضطرابات الأكل وتجويع الذات، من أجل الحصول على جسد "نحيل ومثالي".
الرأسمالية المتغوّلة أن تكون نحيفا مسألة بالغة الحساسية، خاصة عند الفتيات، حسب الكاتبة زوي ويليامز، التي تقول -في مقالة لها نشرتها في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية- إن أفضل مجاملة من الممكن أن تحصل عليها فتاة أن يقال لها "إنك تبدين نحيفة جدا".
وتضيف ويليامز أن الرأسمالية هي التي تتحكم في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي -حسب ويليامز- تنشر حالة من الذعر حول شكل الجسد أو شكل أجزاء منه (أي الخدين، والبطن، والأرداف، والصدر، والشفتين…) وتبيع مزيدا من المنتجات لحل هذه المشكلات.
وتشير الكاتبة إلى أن "الأسواق الجماهيرية تعتمد على التجانس، فلا يمكنك حقا تحقيق الدخل من رغبة واحدة أو فردية. عليك أن تولّد حالة جماعية تكون فيها جميع الرغبات متشابهة، مثل أن يرغب الجميع في النحافة والرشاقة، لذلك عليك إنشاء نموذج جسدي ضيق تماما".