قراءة في بنود المبادرة الصينية لتسوية النزاع الروسي - الأوكراني

عربي ودولي
قبل سنة 1 I الأخبار I عربي ودولي

طرحت الصين، وثيقة مشروع مكون من 12 نقطة، تتضمن موقفها من النزاع في أوكرانيا في الذكرى الأولى للحرب الروسية - الأوكرانية، والتي بدأت في 24 - شباط 2022، ونشرت وزارة الخارجية الصينية عبر موقعها الإلكتروني بنود الوثيقة الـ12 تحت عنوان: (موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية)، وجاء فيها:

1- احترام سيادة كل الدول: تدعو الصين إلى التقيد الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالمياً، بما في ذلك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددة على وجوب التمسك بشكل فعال بسيادة واستقلال ووحدة أراضي كل البلدان، وتلفت الصين بموجب هذا البند إلى ضرورة تمسك جميع الأطراف بالمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، والدفاع عن العدالة الدولية، داعيةً إلى رفض المعايير المزدوجة.

2- التخلي عن عقلية الحرب الباردة: يشدد هذا البند على وجوب عدم السعي لتحقيق أمن دولة ما على حساب دول أخرى، أو تحقيق أمن المنطقة من خلال تعزيز أو توسيع الكتل العسكرية، مؤكداً أن على جميع الأطراف معارضة السعي لتحقيق الأمن على حساب أمن الآخرين، ومنع المواجهة، والعمل معاً من أجل السلام والاستقرار في أوراسيا، ويدعو هذا البند أيضاً إلى المساعدة في تشكيل هيكل أمني أوروبي متوازن وفعال ومستدام، مع مراعاة السلام والاستقرار في العالم على المدى الطويل.

3- وقف القتال: تؤكد الصين أن على جميع الأطراف التحلي بالعقلانية وضبط النفس، وتجنب تأجيج النيران ومفاقمة التوترات، لأن الصراع والحرب لا يفيدان أحداً، وتشير إلى أن على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للعمل في الاتجاه نفسه، واستئناف الحوار المباشر في أسرع وقت، من أجل تهدئة الوضع تدريجياً، والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف شامل لإطلاق النار.

4- استئناف محادثات السلام: تعتبر الصين أن الحوار والتفاوض هما الحل الوحيد القابل للتطبيق في الأزمة الأوكرانية، مشددة على وجوب تشجيع ودعم كل الجهود التي تفضي إلى تسوية سلمية للأزمة، وإذ تؤكد أنها ستواصل لعب دور بناء في هذا الصدد، تشير إلى ضرورة أن يظل المجتمع الدولي ملتزماً بالنهج الصحيح لمساعدة أطراف النزاع على فتح الباب أمام تسوية سياسية في أقرب وقت ممكن.

5- حل الأزمة الإنسانية: تؤكد بكين وجوب تشجيع ودعم كل التدابير التي تؤدي إلى التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية، مع عدم تسييس القضايا الإنسانية، داعيةً إلى تأمين سلامة المدنيين بشكل فعال، وإنشاء ممرات إنسانية لإجلائهم من مناطق النزاع.

6- حماية المدنيين وأسرى الحرب: تشدد الصين على ضرورة التزام أطراف النزاع بشكل صارم بالقانون الدولي، وتجنب مهاجمة المدنيين أو المنشآت المدنية، واحترام الحقوق الأساسية لأسرى الحرب، وتؤكد الصين دعمها تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، داعيةً جميع الأطراف لخلق ظروف أكثر ملاءمة لتحقيق هذا الغرض.

7- المحافظة على سلامة محطات الطاقة النووية: تعارض الصين، وفق هذا البند، الهجمات المسلحة ضد محطات الطاقة النووية أو أي منشآت نووية سلمية أخرى، وتدعو كل الأطراف للامتثال للقانون الدولي، وتؤكد دعمها للوكالة الدولية للطاقة الذرية للعب دوراً بناءً في تعزيز سلامة وأمن المنشآت النووية السلمية.

8- التقليل من المخاطر الاستراتيجية: تشدد بكين على وجوب عدم استخدام الأسلحة النووية، وعدم خوض حرب نووية، مؤكدة ضرورة معارضة التهديد باستخدام الأسلحة النووية، ووجوب منع الانتشار النووي وتجنب أزمة نووية، وتؤكد الصين بموجب هذا البند معارضتها استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية من قبل أي دولة تحت أي ظرف كان.

9- تسهيل تصدير الحبوب: تؤكد هذه النقطة أنه يتعين على جميع الأطراف تنفيذ مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب التي وقعتها كل من روسيا، وتركيا، وأوكرانيا، والأمم المتحدة، وذلك بشكل كامل وفعال، وبطريقة متوازنة، ودعم الأمم المتحدة للعب دور مهم في هذا الصدد، وتعتبر أن مبادرة التعاون بشأن الأمن الغذائي العالمي التي اقترحتها الصين توفر حلاً عمليا لأزمة الغذاء العالمية.

10- وقف العقوبات الأحادية: ترى الصين أن العقوبات الأحادية وسياسة الضغط القصوى لا يمكن أن تحل المشكلة، بل هي تخلق مشكلات جديدة، مؤكدة معارضتها العقوبات الأحادية غير المصرح بها من قبل مجلس الأمن، وتشدد على وجوب أن تتوقف الدول المعنية عن إساءة استخدام العقوبات الأحادية ضد الدول الأخرى.

11- الحفاظ على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد: تعتبر بكين، وفق هذا البند، أن على جميع الأطراف الحفاظ بجدية على النظام الاقتصادي العالمي الحالي، ومعارضة استخدام الاقتصاد العالمي كأداة أو سلاح لأغراض سياسية.

12- تشجيع إعادة الإعمار: تلفت الصين هنا إلى أن على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات لدعم إعادة الإعمار بعد الصراع في مناطق النزاع، مؤكدة استعدادها لتقديم المساعدة ولعب دور بناء في هذا المسعى.

وتسعى بكين من وراء طرح هكذا مبادرة أو مشروع من أجل تسوية النزاع بين الروس وأوكرانيا إلى تحقيق جملة من الأهداف منها:

1- محاولة تقويض الاتهامات الأميركية والغربية التي تتهم الصين بدعم روسيا في الحرب الجارية بينها وبين أوكرانيا، لذا فإن ازدياد الضغوط الغربية والأميركية على الصين تشكل أحد أهم المحركات لطرح المشروع بغية تقويض تلك الضغوط والاتهامات الموجهة ضد الصين.

2- الرغبة في أداء دور محوري في الساحة الدولية، بكون الصين دولة راغبة في تكريس قيم السلام والمحبة على المستوى الدولي، وبالتالي هي مبادرة لدعم صورة بكين على المستوى الدولي.

3- إدراك الصين بأنه عاد من غير الممكن الاستمرار في نفس الموقف السابق من النزاع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، لاسيما وأن تطورات النزاع تفرض عليها حسم خياراتها وتحديد موقفها بين طرفي النزاع، وبالتالي تحاول الصين أن يكون له موقف من النزاع بشكل واضح تحرص من خلالها على عدم استفزاز الأطراف المتنازعة.

4- يبدو أن الصين ترغب من خلال طرح هذا المشروع أن تخفف حدة التوترات بينها وبين الدول الغربية، لاسيما تجاه الاتهامات الموجهة لها بممارسة التجسس السياسي ضد الدول الغربية.

5- تدرك الصين جيداً بأن استمرار النزاع بين الروس وأوكرانيا ليس في مصلحتها، وهو ما ينعكس بالسلب على المصالح الصينية تحديدا في المجال الاقتصادي، وبالتالي تسعى بكين إلى إيجاد مناخات لكسر حالة الجمود وغياب التواصل بين الأطراف بغية الوصول إلى تسوية مما ينعكس إيجابا على كافة الأطراف بما فيها الصين.

6- يوجد تخوف لدى الصين من خسارة روسيا او اضعافها بشكل كبير في النزاع الدائر بينها وبين الدول الغربية وأمريكا في الساحة الأوكرانية، وهو ما يعني توجه أميركا إلى تعزيز نفوذها في شرق أوروبا وأيضا تضييق الخناق على الصين، لاسيما وأن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الأخيرة اعتبرت الصين التهديد الاستراتيجي الذي يجب التعامل معه واحتواؤه.

7- وجود قلق لدى بكين من تعرض أمنها القومي للتهديد جراء الفراغ السياسي المحتمل على طول الحدود الشمالية.

8- المشروع هو مخطط من قبل بكين من أجل دق إسفين بين أوكرانيا و حلفائها الغربيين، من خلال بث الفرقة وأحداث حالة من الخلاف السياسي بينها حول المشروع الصيني.

9- عدم رغبة الصين في الإبقاء على الأجواء الملتهبة في منطقة النزاع كونها قد تتسبب في عرقلة مشروع الحزام والطريق، الذي يمتد من المحيط الهادئ إلى آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى قارة أوروبا.

ولاقى موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، ردود فعل دولية متباينة، حيث عبرت روسيا عن موقف إيجابي من المشروع الصيني وعقب صدور بنود المشروع، نشرت وزارة الخارجية الروسية بياناً قالت فيه: نشاطر بكين طرحها للتسوية، وملتزمون باحترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والإنساني والأمن الشامل، بما لا يعزز أمن دولة على حساب دولة أخرى، أو فريق من الدول على حساب آخر، والترحيب الروسي ينطلق أساساً من رغبتها في عدم تطور مجريات النزاع بينها وبين أوكرانيا بما لا يخدم توجهاها الاستراتيجي، كما قوبل المشروع الصيني بترحيب من جانب بعض الدول الأوروبية وقد جاء هذا الترحيب مشروطاً بضرورة سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، وبدون الانسحاب الكامل لجميع القوات الروسية من أوكرانيا لا فرصة لإنهاء الحرب، علماً إن دول الاتحاد الأوروبي ترغب بشكل عام في دعم أي مشروع من شأنه إنهاء الحرب الدائرة في الساحة الأوكرانية نتيجة الآثار الاقتصادية للحرب على اقتصادها واوضاعها الداخلية، في حين شككت واشنطن بالمشروع الصيني وعقب صدور المشروع وصف جو بايدن المشروع بأنه غير عقلاني، وذكر بأن الرئيس الروسي سوف يصفق لهذا المشروع، وأضاف: لم أر في اللحظة ما يشير إلى أن هناك شيئاً سيكون مفيداً لأي شخص غير روسيا، والرفض الأميركي جاء انطلاقاً من رؤية واشنطن بأن الصين ليست طرفاً نزيهاً في النزاع، وهي منحازة إلى روسيا، كما أن أميركا لا ترغب في أن تؤدي الصين دوراً بارزاً في حل النزاعات الدولية، لما لذلك من آثار إيجابية للصين في تعزيز قوتها الناعمة، أما أوكرانيا فقد كانت استجابتها المرحبة بالمشروع الصيني تنطلق من رغبتها في إيجاد حل للمأزق الذي تعيشه، فهي تخوض حرباً اضحت فيها أوكرانيا ساحة للنزاع بين أميركا و الاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا من جهة أخرى، وبالتالي هي الطرف الخاسر بكل المقاييس، فضلاً عن رغبتها في تحسين علاقاتها بالصين لما لذلك من نتائج اقتصادية كبيرة عليها.

ويرجح مراقبون، أن تعمل واشنطن على عدم إنجاح المشروع الصيني حتى لا يكون للصين دور في أي تسوية تتعلق بأوكرانيا، أو تأكيد موقفها المحايد في هذا النزاع، كما يتوقع أن تشهد ساحة النزاع تحولات واسعة، إذ تستعد روسيا لشن هجوم واسع خلال الفترة المقبلة، وفي المقابل فإن هناك ضغوطاً غربية على أوكرانيا للقيام بهجوم مضاد من أجل استكمال استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وبالتالي فإن وتيرة العمليات العسكرية في الساحة الأوكرانية ستكون متزايدة ولن تتراجع حدتها، وستواجه أوكرانيا أزمة في الدعم المقدم لها من قبل أميركا نتيجة التغيرات التي حدثت بمجلس النواب الأميركي وتعهد بعض الجمهوريين بمراجعة الدعم الأميركي لها، وستستمر الولايات المتحدة في جهودها الرامية إلى عرقلة أي تقارب بين الصين والاتحاد الأوروبي، بل والعمل على دفع بعض الدول الأوربية لأداء دور أمني في جنوب شرق آسيا خدمة للأهداف الأميركية لتطويق الصين هناك، حيث يرى مراقبون أنه وفي حال دخول المواجهة بين الروس وأوكرانيا مرحلة جديدة لن تستطيع فيه واشنطن تغيير المعادلة فإنها ستستغني عن أوكرانيا وتترك مصيرها للروس لتطوي ملف حائط الصد الأول، وتنقل المعركة إلى حائط الصد الثاني المتكون من (بولندا، لتوانيا، استونيا)، ولن يكون بمقدور الدول الأوروبية الإفلات من القبضة الأميركية مما يفقدها لعب دور الوسيط لإنهاء الأزمة أو إنجاح أي مشروع من شأنه إنهاء الحرب الدائرة في الساحة الأوكرانية دون موافقة واشنطن عليه.