منذ لحظة إطلاق الرصاصة الأولى في صراع أوكرانيا، كان الدعم الغربي لكييف مقيدًا بمخاوف لا داعي لها بشأن تأثير ذلك على روسيا.
وبحسب صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، "عوضاً عن بذل ما في وسع الغرب لضمان انتصار أوكرانيا، كان هناك إحجام واضح عن توفير المعدات التي تحتاجها كييف لتحقيق التفوق في ساحة المعركة.
من الدبابات إلى الطائرات الحربية، ومن الصواريخ البعيدة المدى إلى تجديد مخزون الذخيرة الأساسية، بحث الحلفاء الغربيون في كثير من الأحيان عن أسباب لعدم التحرك. وحين بدا أن القوات الأوكرانية على وشك تحقيق اختراق كبير، تم تحذير كييف من المبالغة في الطموح في أهدافها الحربية، لا سيما في ما يتعلق بهدفها النهائي المتمثل في تحرير شبه جزيرة القرم من الاحتلال الروسي".
وتابعت الصحيفة، "وقد أثيرت مخاوف حتى بشأن المصير الذي قد يحل بموسكو في حال فوز أوكرانيا بانتصار صريح، حيث طالبت شخصيات بريطانية بارزة مثل القس جاستن ويلبي، رئيس أساقفة كانتربري، بأنه لا يجب سحق روسيا مثل ألمانيا فايمار في أي اتفاق سلام مستقبلي. إن مثل هذه التحفظات ليست في غير محلها فحسب، فهي تفشل تمامًا في إدراك مدى أهمية أن تتعرض روسيا لهزيمة كارثية لبقاء العالم الحر - وهزيمة ينبغي أن تستغرق عقودًا للتعافي منها". وأضافت الصحيفة، "من خلال شن غزوه غير المبرر العام الماضي، وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديًا متعمدًا للنظام الدولي الذي تأسس في نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي يدعم وحدة سيادة الدولة القومية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ارتكب هو وأعوانه القوميون جرائم حرب على نطاق واسع، وهي حقيقة اعترفت بها الآن المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مؤخرًا مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي. إذا نجح بوتين بالفعل في تحقيق أهدافه الحربية، بسبب المراوغة غير المنطقية لحلفاء كييف الغربيين، فتخيل فقط أن هذا التشجيع سيحفز الدول المعادية الأخرى، مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، لمتابعة أجنداتها العدوانية".
وبحسب الصحيفة، "علاوة على ذلك، في الوقت الذي تتساءل فيه العديد من دول عدم الانحياز علانية عما إذا كانت تشهد على انهيار الهيمنة الغربية، فإن أي شيء يشبه نجاح الغزاة في أوكرانيا من شأنه أن يؤكد شكوكهم في أن الغرب لم يعد لديه الرغبة أو القوة لحماية مصالحه. ومع ذلك، فإن أحد المخاوف العديدة التي أعرب عنها المحللون الغربيون في الأشهر الأخيرة هو أنه إذا تعرضت موسكو لهزيمة مدمرة، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار روسيا نفسها، مع استبدال حلم بوتين بإعادة تأسيس الإمبراطورية الروسية بتقسيم البلاد إلى فسيفساء من الجيوب العرقية. وهي اتحاد قد يكون بالفعل أكثر هشاشة مما يبدو عليه". وتابعت الصحيفة، "من المؤكد أن تفكك روسيا سيفيد الصين التي، على الرغم من كل الأشياء التي أظهرها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الرسمية لموسكو هذا الأسبوع، تضع نصب عينيها حيازة الـ 600 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الصينية السابقة حول ميناء فلاديفوستوك - الذي ضمته روسيا في عام 1860 في نهاية حرب الأفيون الثانية. قد يتباهى شي وبوتين علنًا بشراكة استراتيجية "بلا حدود" والتي اتفقا عليها قبل غزو أوكرانيا، لكن من خلال دراسة لغة الجسد في لقائهما العلني المشترك أوضح أن شي هو الشريك المهيمن في العلاقة، لدرجة أن بوتين اعترف بهدوء لضيفه، "نحن نحسدك قليلاً"." وأضافت الصحيفة، "بينما تبدو بكين وكأنها تدعم حرب بوتين الكارثية، فإنها تدرك أن مصلحتها الحقيقية تتمثل في استغلال الضعف الروسي لمصلحتها الخاصة، سواء من خلال تأمين إمدادات النفط المخفضة أو التنازلات الإقليمية. في المستقبل، سوف يتم تشجيع هذا الاستغلال من خلال معرفة أنه بفضل بطولة القوات العسكرية الأوكرانية، لم تعد موسكو المستنفدة لديها القدرة على الدفاع عن نفسها. لذا، بدلاً من القلق بشأن العواقب المحتملة للهزيمة الروسية، يجب على القادة الغربيين تبني نهج مشابه متشدد وزيادة دعمهم لأوكرانيا، حتى لو أدى ذلك في النهاية إلى انهيار الدولة الروسية. منذ وقت ليس ببعيد، بعد كل شيء، كان على الغرب أن يتعامل مع انهيار الاتحاد السوفيتي، مما جعل موسكو تعاني من العجز والعوز".
وبحسب الصحيفة، "علاوة على ذلك، وبالنظر إلى النية الخبيثة التي أظهرها بوتين باستمرار تجاه الغرب، من التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى اغتيال المنشقين على الأراضي البريطانية، لا ينبغي لأحد أن يحزن على رحيل الزعيم الروسي، حتى لو أدى ذلك إلى خلق مجموعة جديدة من التحديات الأمنية للتحالف الغربي.
إذا تمكنت روسيا من إعادة بناء نفسها بعد أن تعرضت لصدمة انهيار الستار الحديدي، فيمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى بعد معاناتها من الهزيمة في أوكرانيا. وفي غضون ذلك، ستكون أمام الغرب فرصة كبيرة للاستعداد للتعامل مع أي تداعيات ناجمة عن انهيار دولة بوتين البوليسية".
وختمت الصحيفة، "هذه العواقب أو أي عواقب أخرى لهزيمة روسيا لا تعني أنه يجب على الغرب تخفيف دعمه لأوكرانيا. على العكس من ذلك، فقد حان الوقت لأن ندرك أن روسيا المهزومة والمحبطة من شأنها أن تساعد في إعادة تأكيد مكانة الغرب في الشؤون العالمية".