ملجأ الأمان والأمل... اليمنيّون في مصر يتركون بصمة الوطن في كلّ مكان

محليات
قبل سنة 1 I الأخبار I محليات

في وقت تشرّد اليمنيون خلال الحرب المستمرة منذ عام 2015، كانت جمهورية مصر العربية ملجأً لهم، وهي من أكثر البلدان التي احتضنتهم. فوفق السفارة اليمنية في القاهرة، بلغ عدد اليمنيين المقيمين في مصر في عام 2023 نحو مليون ونصف المليون مواطن يمني، وجدوا في مصر المكان الأكثر أماناً.

 

إلّا أنّ ثمة تبايناً كبيراً بين تقديرات السلطات المصرية ونظيرتها اليمنية بشأن عدد المنتقلين من اليمن إلى مصر، وهو تباين ينسحب كذلك على الأسباب التي تدفع اليمنيين للتوجّه إلى هناك، سواء كانوا مقيمين دائمين، أو مبتعثين للدراسة، أو نازحين أو متوجّهين للعلاج، أو حتى مستثمرين.

 

أثناء مرورك في بعض أحياء القاهرة، ستشعر أنك انتقلت بشكل أو بآخر إلى اليمن، فقد أثار وجود اليمنيين في مصر جواً يشبه الأجواء في المدن والأسواق اليمنية، وهو ما يجعل تلك الأحياء من الأكثر ازدحاماً، فلا يشعر اليمني بأنّه بعيد عن أرضه، إذ أصبحت المدارس اليمنية والمطاعم وحتى اللهجات اليمنية المختلفة تغلب على تلك الأحياء حتى بين المصريين أنفسهم.

 

 

رحلة من الحرب إلى الأمل

مع اشتداد المعارك في اليمن في عام 2018، انتقلت نور من الحديدة إلى العاصمة المصرية، القاهرة، في رحلة معاناة أشبه بقصص الأفلام، هرباً من بلاد مات فيها نصف عدد أسرتها بعد قصف منزلهم، لتبدأ حياة جديدة، مُحاولةً اجتياز الماضي الذي لن يعود، وتفتتح مشروعها الصغير لضمان دخل مادي لها ولما تبقّى من أسرتها في اليمن، إذ تعمل في صناعة المعجنات اليمنية وبيعها للمحال التجارية في الأحياء المصرية التي يقطنها اليمنيون.

 

تسرد نور قصتها لـ"النهار العربي"، وتقول: "تخرّجت في كلية الهندسة عام 2015 قبل أيام من الحرب التي هدمت كل أحلامي في أيامها الأولى. لم أكن أتخيّل أنّ الحرب ستستمر أكثر من شهر، كما كان يقول الإعلام، بل لم أكن أتخيّل أنّ دراستي الجامعية لن أستفيد منها، والأكثر مرارة أنني لم أكن أتوقع أن أفقد والدي وأخي الأكبر وأختي بقذيفة مجهولة، لكنها شرّدتنا وأصبحنا أنا ووالدتي وأختي الصغيرة بلا منزل ولا عائل. خلال عام ونصف العام تذوّقنا مرارة الفقر والشتات".

 

وتضيف: "بعد هذه الفترة وجدت وظيفة في محافظة عدن من طريق إحدى القريبات، ولكن عندما وصلت كان الراتب لا يكفيني ولا أستطيع أن أصرف على أمي وأختي. وعانينا أيضاً في عدن أكثر، قبل أن أجد أحد رجال الأعمال الذي كان يطلب عمالاً لمطعم يمني في مصر، وكانت فرصتي للمجيء إلى القاهرة، فعملت في صناعة الحلويات والمعجنات. وبعد عامين، خصوصاً في بداية 2021، قرّرت أن أفتتح مشروعي الخاص من المنزل، والذي وجدت فيه ربحاً مادياً أستطيع من خلاله أن أعيش وأسرتي. كانت مصر بمثابة الوطن الذي لم أشعر فيه بالغربة، كما شعرت بها في بلدي".

 

علاقات تاريخية

كانت مصر هي الملجأ الأول تاريخياً للثوار اليمنيين الفارين من حكم "الإمامة" سابقاً، ولا تزال ملجأ لهم كذلك حالياً، إذ استقبلت مصر الصحافيين والناشطين والحقوقيين اليمنيين من دون تمييز. وبالنسبة للفارين من حرب اليمن، فإنّ مصر تُمثل لهم المكان الأقرب لبلدهم والبيئة التي ترعرعوا فيها، من حيث المجتمع والإجراءات المُسهّلة لهم من قبل السلطات المصرية.

 

تقول الصحافية المصرية سمية أحمد لـ"النهار العربي" إنّ "من مزايا مصر كدولة وشعب أنّها على مرّ التاريخ لديها قدرة على دمج المهاجرين والضيوف، وتُعتبر مصر من الدول التي لا نسمع فيها صفة لاجئ، إنما هم مهاجرون يقدّمون خدمات ويعملون لإفادة البلد باستثمارات ومشاريع. أما الحاصلون على صيغة اللجوء فهم أقل من ربع مليون، بينما عدد المهاجرين يراوح بين 6 ملايين و9 ملايين من كل دول العالم، معظمهم من إخواننا في السودان وسوريا واليمن وليبيا. ثمة حوالى 4 ملايين سوداني أو أقل (قبل الأزمة)، ومليون ونصف مليون سوري، ومليون ونصف المليون يمني تقريباً، ومليون ليبي".

 

نشاط مدرسي لأطفال الجالية اليمنية.

 

بلد آمن لمن شرّدتهم الحرب

بالنسبة إلى بسام الشرعبي، وهو ناشط حقوقي، فإنّه يعتبر مصر بلده بعدما فقد بلده الأم، ويبرّر ذلك بأنّ "الوطن ليس الأرض الجغرافية التي ولدت وكبرت فيها، بل هي التي تجد فيها الأمان والحقوق والحرّية". ويضيف لـ"النهار العربي": "منذ 5 أعوام قدمت إلى مصر هرباً من بطش الحوثيين والميليشيات المسلحة في اليمن، على خلفية نشاطي الحقوقي، ومنذ ذلك الحين أعيش هنا وقمت بدراسة الماجستير، وحالياً تدرس ابنتي في المدارس المصرية، بعيداً من المناهج الإرهابية والطائفية التي تُدرّس في مناطق الحوثيين في الوقت الحالي، والأهم من ذلك أنّ ابنتي تدرس في المدارس المصرية من دون أي تمييز".

 

ولأنّ مصر من أكثر البلدان العربية ازدحاماً من الناحية السكانية، كانت هي السوق البديلة للمستثمرين اليمنيين، الذين أخرجوا معظم استثماراتهم من اليمن، وأنشأوا الشركات والمستشفيات وكذلك المطاعم اليمنية، التي صارت أكثر انتشاراً في مصر بأكملها من المطاعم ذات الجنسيات غير المصرية، حيث لاقى المطبخ اليمني رواجاً كبيراً بين المصريين أنفسهم، وهو ما أتاح فرصاً أكبر لليمنيين والمصريين للعمل في تلك المطاعم.

 

 

ويقول الشيف اليمني حمدي منير، إنّ عدد المطاعم اليمنية في مصر بلغ 800 خلال عام 2022، ويتوقع أنّه ارتفع خلال العام الجاري. ويقول: "المطاعم زادت بسبب عدم وجود غرامات يدفعها أصحاب تلك المطاعم في اليمن للعصابات والميليشيات المسلحة، لأنّ الأمن هو أساس الاستثمار، وكما يقول المثل "رأس المال جبان"، لهذا كانت دول الخليج ومصر من أبرز الوجهات التي لجأ إليها رأس المال اليمني، وكذلك أيضاً بسبب التسهيلات الضريبية المشجعة".