فتح المسؤولون المصريون الكبار الذين التقوا وزير خارجية إيران عباس عراقجي في القاهرة، الخميس، ملف الخسائر التي تكبدتها مصر بسبب عمليات جماعة الحوثي في اليمن ضد سفن الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر، لكنهم لم يتلقوا منه سوى وعد شفاهي بالحد منها وليس إيقافها.
ويبدو وعد الوزير الإيراني أقرب إلى المجاملة مع معرفته المسبقة بأن مصر تتعامل بالليونة في مثل هذه المواقف ولا تبدي الحزم الكافي لتحصيل مواقف واضحة. كما يمكن أن يكون حرصه على إنجاح زيارته، والحصول من القاهرة على صورة دقيقة عن المزاج الأميركي والإسرائيلي حيال الحرب والتهدئة، قد دفعه إلى مجاراة الطلب المصري بالحديث عن مخاطر الاستهداف الحوثي لأمن الملاحة في البحر الأحمر.
وعلمت “العرب” من مصادر مصرية أن عباس عراقجي لم يقدم إلى المصريين تطمينات كافية بهذا الشأن، لأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه التوترات بات مفتوحا على احتمالات متعددة، في ظل إصرار إسرائيل على تقويض نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة، وإمكانية أن تجد طهران نفسها أمام حرب أشبه بمسألة “حياة أو موت”.
ولو كان هدفُ زيارة عراقجي إظهارَ رغبة بلاده في منع توسيع دائرة الحرب، لكان من باب أولى أن يسأله المسؤولون المصريون الذين التقى بهم: ماذا فعلت طهران لتمنع تراكم خسارة قناة السويس لمواردها بعد أن تراجعت بحوالي الربع بسبب استهداف الحوثيين لحركة السفن؟
وقالت مصادر “العرب” إن عراقجي أطلع القيادة المصرية على رغبة بلاده في عدم الذهاب إلى المدى الذي يجبرها على الانخراط في حرب مفتوحة، وأبدى استعدادها للقبول بتهدئة مع إسرائيل وفقا لشروط إقليمية مقبولة، محاولا الإيحاء من خلال جولته بأن طهران غير منبوذة وأن علاقتها بمحيطها جيدة.
والخميس التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عباس عراقجي، في أول زيارة إلى القاهرة منذ 13 عاما يقوم بها مسؤول إيراني كبير ضمن جولة في عدد من دول المنطقة، ووسط مخاوف من مواجهة موسعة مع إسرائيل.
وذكر المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن اللقاء ركز على “التطورات الجارية بالمنطقة، حيث أكد السيسي الموقف المصري الداعي إلى عدم توسّع دائرة الصراع ووقف التصعيد للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة”.
وشدد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي خلال لقائه مع عباس عراقجي على أهمية تجنب استدراج الإقليم إلى مواجهة كارثية قد تؤدي إلى حرب إقليمية واسعة ذات عواقب مدمرة لكافة أطرافها، ولن تكون أي دولة في الإقليم بمنأى عن تداعياتها.
وتناول لقاء الوزيرين التطورات الإقليمية المتلاحقة في كل من لبنان وقطاع غزة والبحر الأحمر، وما تستوجبه مستجدات الأحداث من مساع لخفض التصعيد في المنطقة ومنع انزلاقها إلى حرب إقليمية.
وأوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد حجازي أن زيارة عراقجي جاءت ضمن جولة موسعة شملت عدة دول، وفي إطار حرص طهران علي إيصال رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة حول رؤيتها لمخاطر المواجهة المتوقعة مع إسرائيل، وما يمكن أن تتعرض له المنطقة بأكملها من أزمات عند تزايد التصعيد.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “إيران عرضت على القاهرة تصورها للحراك الدبلوماسي في الفترة المقبلة بشأن تطبيق القرار الأممي 1701 الذي يقضي بانسحاب قوات حزب الله من جنوب نهر الليطاني، ونشر قوات الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية”.
ولم يستبعد السفير حجازي أن تكون مباحثات عراقجي قد تطرقت إلى مستقبل حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، وأن يكون اللقاء مع الرئيس السيسي قد تطرق إلى ما يمكن للقاهرة القيام به لاحتواء التصعيد وخطورته وتقليل انعكاساته على الأمن القومي المصري.
وأوضح أن طهران تعوّل على علاقات القاهرة الجيدة مع بعض الأطراف في المنطقة للقيام بدور في توصيل رسائل بشأن مآلات التصعيد في المنطقة.
وتحاول إيران عبر جولة وزير خارجيتها احتواء الضربة الإسرائيلية وليس منعها، في ظل فهمها أن الرد قادم لا محالة، والتأكيد على أنها لن تصمت إذا وجهت إليها ضربة قوية تستهدف برنامجها النووي أو مشروعاتها ومقدراتها النفطية، وأنها لن تتحمل ضربة إسرائيلية عنيفة، خاصة إذا وجهت إلى أهداف عسكرية داخل إيران.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أن عباس عراقجي “أجرى محادثات مفيدة مع الرئيس المصري بشأن التطورات في المنطقة، وأن الطرفين اتفقا على ضرورة تكثيف الجهود لوضع حد للجرائم في غزة والاعتداء على لبنان”.
وقال رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية محمد محسن أبوالنور لـ”العرب” إن “زيارة عراقجي تناولت أربعة ملفات، هي غزة ولبنان وتداعيات الحرب المحتملة مع إسرائيل والعلاقات الثنائية مع القاهرة. وأرادت منها طهران تأكيد متانة علاقاتها مع مصر، وأن عدم استئنافها رسميا لن يمنع التعاون والتنسيق بين البلدين”.
وأضاف أن “إيران أوحت من وراء جولة وزير خارجيتها بأن علاقاتها مع دول عديدة في المنطقة تطورت، وأن طهران لديها من المرونة ما يساعدها على الانفتاح الكبير على من كانوا في عداد خصومها، وهي رسالة مهمة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما، تنطوي على قابلية كبيرة للتعاون وتجاوز التعقيدات التي يمكن أن تعوق أي تفاهم إستراتيجي”.
وشهدت العلاقات بين مصر وإيران توترات في سنوات ماضية أدت إلى قطعها رسميا، لكن البلدين كثفا الاتصالات الدبلوماسية رفيعة المستوى، وبدا أن هناك اتفاقا لاستئنافها رسميا، غير أن وجود بعض الملفات العالقة أخّر هذه الخطوة، من دون أن تؤثر على الدفء الدبلوماسي الذي ظهر في لقاءات واتصالات بعض المسؤولين في البلدين، ومن بينها زيارة وزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي في يوليو الماضي إلى طهران لتهنئة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على استلام منصبه.