تفاعلت جماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء واسعة من التراب اليمني مع خطاب التهدئة الصوري الذي عملت إيران على إشاعته في المنطقة استباقا لموجة ضغوط قصوى يتوقّع أن تفرضها عليها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وبادرت إلى محاكاة موقف طهران من المملكة العربية السعودية من خلال توجيه الجماعة لخطاب إيجابي إلى الرياض بشأن عملية السلام في اليمن التي توليها المملكة أهمية كبيرة وتبذل جهودا متواصلة لإطلاقها.
وقال القيادي في الجماعة حسن العزي إنّ صنعاء والرياض قطعتا “شوطا مهما على طريق السلام وتظهران تصميما تضامنيا مشتركا على إنجاز هذه الغاية النبيلة، ولذلك لن تسمحا لأي طرف فرعي داخل التحالف بمواصلة عرقلة هذا المسار.”
وكما ألقى العزي تبعة تعطيل السلام على أطراف أخرى لم يسمّها في التحالف الذي تقوده السعودية ضدّ جماعته، فقد حمّل أيضا المسؤولية على التعطيل الولايات المتحدة قائلا في تعليق له عبر منصّة إكس “أعتقد نّ من المهم أيضا أن تتخلى أميركا عن موقفها المعيق للسلام.”
ويأتي كلام المسؤول الحوثي مخالفا للرأي السائد محليا وإقليميا وحتى دوليا وأمميا بشأن اعتبار جماعته مسؤولة بالدرجة الأولى على تعطيل الشروع في تنفيذ بنود خارطة الطريق التي تعاونت الأمم المتحدة مع السعودية وأطراف إقليمية أخرى على وضعها لتكون مدخلا للسلام المنشود في اليمن.
وزاد الحوثيون من تأزيم الأوضاع في اليمن والمنطقة بانخراطهم في استهداف خطوط الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن تحت عنوان دعم الفلسطينيين في الحرب ضد إسرائيل، وهو أمر كان مطلوبا من قبل إيران نفسها التي تقود محورا تطلق عليه محور المقاومة ويضم أذرعها المسلحة في المنطقة بما فيها جماعة الحوثي التي يقول متابعون لشؤون المنطقة إنّ الإيرانيين يتحكّمون بشكل كامل في قرارها بشأن السلم والحرب.
ويبدو أن إيران باتت تستشعر خطرا داهما باتجاهها مع وجود إدارة أميركية متشدّدة في موقفها من طهران وأذرعها، وهو ما يتجلّى في خطاب التهدئة والتصالح مع السعودية الذي كثّفت الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان من ترويجه خلال الفترة الأخيرة وسارع الحوثيون إلى محاكاته.
وتشكّك دوائر متابعة للشأن اليمني في جدية الحوثيين في الذهاب نحو السلام في اليمن، مؤكّدة أنّ الأمر مرهون بموقف إيران من ذلك والذي ستحدّده اتجاهات الأحداث والمتغيرات في المنطقة خلال الفترة القادمة.
وسبق للحوثيين أن عبّروا عن استعادهم للتوقيع على خارطة الطريق الأممية مشترطين توقيع السعودية عليها وذلك ليثبتوا نظريتهم بشأن اعتبار المملكة طرفا أصليا في الحرب.
وكانت السعودية وإيران قد أنجزتا بوساطة صينية مصالحة سمحت بعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انقطاعها لعدّة سنوات، وتكثّف التواصل بينهما منذ ذلك الحين حتى بلغ مؤخّرا مرحلة التشاور بشأن المسائل الدفاعية من خلال استقبال طهران لرئيس أركان الجيش السعودي فياض الرويلي بعد مشاركة قوات من البلدين في مناورة بحرية جرت في بحر العرب.
لكنّ العامل اللافت في التحسّن الكبير الذي طرأ على علاقات الطرفين أنّه لم يشمل بتأثيراته الوضع في اليمن مع معرفة الجميع بأنّ إيران تستطيع القيام بدور كبير في إقرار السلام في البلد عن طريق الإيعاز لأتباعها الحوثيين بالاستجابة لجهوده والسير في طريقه، مثلما تمتلك السعودية تأثيرا مماثلا على الأطراف اليمنية المضادة للحوثيين والمجتمعة تحت راية السلطة الشرعية اليمنية.
وعلى هذا الأساس يُقرأ خطاب التهدئة الحوثي باعتباره خطابا تكتيكيا مسايرا للتوجّه الحالي لإيران وما يميّزه من حذر وترقّب للمتغيرات، وتحديدا ما يتعلّق منها بسياسة الإدارة الأميركية الجمهورية تجاه المنطقة.
وتساور إيران مخاوف جدية من المرحلة المقبلة وما قد تنتهجه الإدارة الأميركية الجديدة من سياسات متشدّدة حيالها سبق لطهران أن خبرت نماذج عنها في فترة رئاسة ترامب الأولى، ويبدو أنها دخلت في سباق مع الزمن وسرّعت من محاولة إرساء تهدئة إقليمية تجنّبها للضغوط وذلك قبل أن يتمّ تسليم السلطة من إدارة الرئيس جو بايدن إلى إدارة خلفه ترامب.
وتشمل المخاوف الحوثيين بذات الدرجة في ظل توقّعات بأن يقطع ترامب مع سياسة اللين والتساهل التي مارستها تجاههم إدارة سلفه الديمقراطي جو بايدن.