يذهب خبراء إلى أن أنظارعادت إلى الداخل اليمني، وتحديدا نحو الاستراتيجية، الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، في محاولة لـ"تغيير معادلة الصراع، والسيطرة على مواردها النفطية"، وذلك بعد انحسار التصعيد الإقليمي، وتوقف هجماتها العسكرية على ممرات الملاحة الدولية التي كانت تدر عليها كثيرا من الأموال.
وفي ظل هذا التحوّل، تمكنت قوات الجيش اليمني، أمس السبت، من إحباط هجمات وعمليات عدائية، شنتها ميليشيا الحوثيين، على مواقع القوات الحكومية في جبهات مختلفة من القطاعات الشمالية الغربية من محافظة مأرب؛ ما أدى إلى قصف متبادل بين الطرفين باستخدام الأسلحة الثقيلة، وفق الموقع الرسمي للقوات المسلحة اليمنية.
ومنذ الإعلان عن التوصل لاتفاق التهدئة في غزة، في الـ16 من يناير/كانون الثاني المنصرم، شنّت ميليشيا الحوثيين أكثر من 9 هجمات على مدى أسبوعين، في محاولة لإحراز تقدم نحو مواقع الجيش اليمني، في جميع جبهات القتال المحيطة بمركز المحافظة النفطية، التي تعدّ مركز العمليات العسكرية الحكومية، شمالي البلاد.
وكشفت تقارير محلية، عن تحضيرات عسكرية تجريها ميليشيا الحوثيين، من خلال إرسال تعزيزات بشرية وآليات عسكرية، وإنشاء تحصينات وأنفاق في المناطق الغربية من محافظة مأرب، استعدادا لبدء عملية عسكرية واسعة نحو مدينة مأرب، مركز المحافظة.
أطماع اقتصادية
ويرى خبير الشؤون العسكرية، هشام مقدشي، أن انتقال تصعيد ميليشيا الحوثيين من البحر الأحمر إلى الداخل اليمني، يهدف إلى البحث عن مردود مالي واقتصادي، من خلال السيطرة على حقول النفط في محافظة مأرب.
وقال المقدشي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هجمات ميليشيا الحوثيين على السفن، خلال الحرب على قطاع غزة، كانت تمثّل مصدر دخل مالي كبيرا لهم، من خلال فرض رسوم غير قانونية على بعض وكالات الشحن البحري، مقابل عبور سفنها في البحر الأحمر وخليج عدن، دون اعتراض؛ "وهو ما أشار إليه تقرير عام 2024 الصادر عن خبراء مجلس الأمن الدولي، الذي ذكر أن ميليشيا الحوثيين تحصل على ما يصل إلى 180 مليون دولار شهريا".
وأشار إلى أن ميليشيا الحوثيين تعلم اليوم أن استمرار عملياتها العسكرية في البحر الأحمر لم يعد ممكنا، في ظل قدوم رئيس أمريكي جديد وقوي، قد لا يتردد في مقابلة هجماتها برد فعل قوي وعنيف، "ومن ثم توقف العائدات المالية؛ وهو ما دفعهم إلى التوجه نحو مأرب، المصدر الاقتصادي الداخلي".
وبحسب المقدشي، فإن لدى ميليشيا الحوثيين طموحات وأبعاد استراتيجية مستقبلية، تتعلق بالإقليم ودول الجوار، "وهذا ما يجعل مشروعهم يحتاج إلى مردود اقتصادي كبير يموّل طموحاتهم، وذلك لن يأتي إلا عبر الجبايات في البحر الأحمر، أو من خلال السيطرة على موارد مأرب النفطية، وتصديرها من ميناء رأس عيسى بالحديدة".
وذكر أن ميليشيا الحوثيين تعتبر تصنيفها جماعة إرهابية أجنبية من قبل ، بمثابة رسالة حرب، وهي ترى أن الهجوم على مأرب قد يفجّر العمليات العسكرية في الداخل مجددا؛ ما سيخلق ضغطا إقليميا على الولايات المتحدة لوقف التصنيف وتبعاته والتصعيد تجاهها.
نتائج عكسية
ويتفق رئيس مركز "أبعاد للدراسات والبحوث" عبدالسلام محمد، مع الرأي الذي يضع مأرب كهدف اقتصادي بالنسبة لعمليات ميليشيا الحوثيين العسكرية القديمة الجديدة، منذ عام 2021.
وقال عبدالسلام في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هناك أهدافا أخرى لميليشيا الحوثيين في محاولة التوجه إلى مأرب، بعضها يتعلق بإعادة معنويات عناصرها، بعد الهزائم المتعددة التي مُنيت بها إيران وحلفاؤها في المنطقة، والآخر مرتبط بالحكومة الشرعية في اليمن.
وأضاف أن ميليشيا الحوثيين تعتقد أن الحكومة الشرعية غير مستعدة في الوقت الحالي لأي حرب، ومن ثم فإن أي تغيير في الوضع الميداني بمأرب لصالحها سيمكّنها من فرض شروطها على طاولة المفاوضات السياسية المتعلقة بالحلّ الشامل للأزمة اليمنية، فضلا عن محاولتها فرض واقع جديد على المجتمع الدولي، وبالذات الولايات المتحدة التي تفكّر بمواجهة الميليشيا.
ويعتقد عبدالسلام، أن "الحوثيين" لم يضعوا في حسبانهم أي اعتبار للنتائج العكسية؛ إذ من الممكن أن تستغل أمريكا الهجوم على مأرب، لتحشيد المجتمع الدولي وإيجاد مبرر للتدخل العسكري في اليمن، بعد أن توقفت هجمات ميليشيا الحوثيين في البحر الأحمر، كما يمكن لذلك أن يُنهي أي اتفاقات حدثت بين الإقليم وميليشيا الحوثيين أو أي مباحثات مستقبلية".
وتوقع أن يفرض هجوم ميليشيا الحوثيين على مأرب – إن حدث بشكل واسع – تغييرا كبيرا في ميزان الوضع الميداني في اليمن، بعكس ما تصبو إليه الميليشيا.