كتب/جمال حيدره
خرجن النساء اليوم في عدن إلى الساحات والميادين لكي يسمعن الأرض هدير الصمت المكبوت، صمت ظلت تحرسه لسنوات طويلة تابوهات عديدة، منها ما يصنف صوت المرأة بالعورة، وأخرى تصفها بناقصة عقل ودين، خرجن متحررات تماما من أي مخاوف أو حسابات سياسية.
هذا الاحتشاد النسوي اليوم في عدن لا يعني أبدا أن الرجال ماتوا كما يزعم البعض، ذلك أن ارتفاع صوت المرأة يعتبر بداية حقيقة للتسليم بدورها الحيوي والفاعل، ودفعها نحو المشاركة وتحمل المسؤولية، والاطلاع بدورها الأصيل نحو المجتمع وما يعشيه من أزمات متعددة الهموم والأوجاع.
ولو لم يكن هناك دعم وتشجيع وإيمان بالمرأة ككيان وصوت من قبل الآباء والأزواج والإخوة والأبناء ما تدافعت النساء بهذا الشكل إلى الساحات، وعلينا أن نتجاوز اليوم مأزق الخوف من المرأة القوية، ولا ينبغي أن نصنف هذه الاحتجاجات بأنها مهددة لكيان الرجل ومكانته، وانسحاب بساط السيطرة من تحت أقدامه، لأن تلك معتقدات خاطئة جدا.
وجود امرأة قوية وفاعلة ومسؤولة يعني وجود مجتمع قوي وفاعل ومسؤول، يعني وجود أجيال سليمة في التفكير والسلوك ذلك أن المرأة هي أول مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وهذا يعني أنها المسؤول الأول عن تشكيل شخصية الطفل، وتحريره من التشوهات النفسية المتوارثة.
لم تطالب النساء اليوم بحصص في الوزارات، وليست لديهن أحلام في السلطة والحكم، فقط يردنّ حياة كريمة لأطفالهن وذويهن، وتحسين مستوى المعيشة دون عذاب أو معاناة، وهذه تضحية أخرى تضاف إلى رصيد المرأة بوصفها أول موئل للوجود البشري، هي الأرض والحياة والفصول، وكأم هي التي تنازلت عن حصتها من الطعام والشراب لكي يشبع طفلها، وهي التي قضت نصف عمرها سهرانة على راحة أطفالها، هي التي تفكر بمستقبل ابنها وأخيها وحتى زوجها أكثر من تفكيرها بنفسها.
لذلك علينا اليوم ندرك أن صوت المرأة لم يعد عورة، ولا تسمى حرمة، و أن نؤمن بشكل عميق بدورها ونمنحها مساحة للتحرك في معترك الحياة خارج البيت، كطالبة وموظفة ومسؤولة وشريكة بناء وأعمار وتنمية، وكصوت قوي وفاعل.
وعلى يقين أن عدن المدينة التي انطقلن منها رائدات كثيرات وفي مجالات عدة قادرة اليوم على تخليق وعي نسوي يساهم في تخفيف وطأة الأزمات المعاشة.