ليست صنعاء، التي كبّلتها القيود وقُيّدت فيها الحناجر... هذه عدن! مدينة الحرية والكرامة، مدينة الشمس والبحر والتاريخ، هذه عدن التي ترفض الانكسار، التي تنبعث من رمادها ألف مرة، لتقول لكل من ظن أنها انتهت: "أنا هنا... باقية شامخة".
عدن ليست مدينة عابرة في الجغرافيا... عدن قضية، عدن وطن، واليوم، خرجت نساؤها، لا للتظاهر فحسب، بل لإطلاق صرخة بحجم وطن، بحجم دماء الشهداء، بحجم الحلم الجنوبي المغروس في أعماق كل حر، خرجن لا لأنهن ضعيفات، بل لأنّهن القوّة التي تُحرك الأرض إن غضبت، وتكسر جدران الصمت إن نطقت.
خرجت عدن بثوبها الجنوبي الأصيل... خرجت تحمل في يديها وجع الحياة، وفي عينيها شرارة الثورة.. نساء عدن، نساء الجنوب، خرجن ليقلن للعالم: "لم نعد نحتمل". لا كهرباء، لا ماء، لا رواتب، ولا كرامة معيشية خرجن يحملن قهر السنوات، وسؤال الطفولة الجائعة، وصراخ العجائز في حر الصيف القاتل.
لكل من راهن على صمت عدن... خابت رهاناتكم! لكل من ظن أن النساء سيكتفين بالبكاء خلف الجدران... ها هن اليوم في الصفوف الأمامية، يقدن الموقف، ويوجّهن الرسالة: "يا قائدنا عيدروس، لم يعد لدينا شيء نخسره! إما أن تنصفنا وتوفر لنا الماء الكهرباء الصحة والرواتب أو تعلن الحرب الحرب وتقاتل لأجلنا، ونكون جندك ومعك في معركتك حتى النصر أو الشهادة!"
خروج نساء عدن بالأمس لم يكن نزوة، ولم يكن ورقة مساومة كما روجت أبواق الخيانة وأصحاب الولاءات المأجورة، هذا الخروج كان رسالة شرف ووفاء، صادرة من رحم المعاناة، تؤكد أن الخدمات الأساسية — الماء، الكهرباء، الرواتب — ليست هبة أو فضل من أحد، بل حق، وليست بديلًا عن القضية كما يروج لها أحزاب مسعده وعنوانهم، بل ركيزة من ركائزها، نعم، نحن نعرف جيدًا أن هناك مؤامرة مدروسة بدأت منذ عهد المخلوع عفاش، مؤامرة لتجويع الجنوب، لتركيعه، ليُنسى حلم الاستقلال خلف أكوام الفقر والوجع، لكنهم لم يعرفوا شيئًا عن هذا الشعب، لم يعرفوا أن الجنوب لا ينسى، ولا يخون، ولا ينكسر مهما بلغ الألم.
قد ننتقد المجلس الانتقالي، نعم، قد نرفع صوتنا ونحاسب، لكننا في الوقت ذاته نعرف جيداً أنه ممثلنا، صوتنا، بابنا نحو العالم، قائدنا نحو الاستقلال ومن لا يرى حجم الحرب المركّبة التي يتعرض لها المجلس، فهو إمّا جاهل أو جاحد.
القضية الجنوبية لا تموت، لأنها حيّة في قلوب أطفالنا، في دعوات أمهاتنا، في دمعات الآباء، وفي دماء الشهداء، ومن يظن أن عدن ستتنازل عن حريتها مقابل خيط كهرباء أو قنينة ماء، لا يعرف تاريخها، ولا يعرف شموخ نسائها وأهلها، عدن لا تباع ولا تُشترى... عدن لا تنحني... وعدن إن غضبت، تصنع المعجزات.. فلتسمعها يا عالم، فليعلمها القريب والبعيد..
النساء خرجن، لأنهن أدركن أن الصمت خيانة، وأن النهوض واجب، وأن الوطن لا يُبنى بالتمنّي، بل بالصراخ إن لزم، وبالنار إن وجب.. نعم، عدن غاضبة... عدن تتألّم... لكن عدن أيضًا تقاتل