عبدالباسط القطوي
عبدالباسط القطوي

تباينات الأحداث في الشرق الأوسط ومصير القضية الجنوبية

أوضحت التباينات والأحداث في الشرق الأوسط بجلاء أن المنطقة تعيش فوضى عارمة بفعل التدخلات الأمريكية والحصار المفروض على الملاحة البحرية من قبل المليشيات الحوثية وهذه الأحداث تترافق مع الضربات العسكرية والتدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة في اليمن، والذي يبرز حجم الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بالبلاد.

 

تتجلى الأبعاد السياسية لهذه الاحداث في سعي بعض القوى الإقليمية إلى شرعنة المليشيات الحوثية فيما يحاول الحوثي اكتساب تعاطف الرأي الشعب العربي واليمني بحجة مناصرة غزة في حربه على امريكا واسرائيل، في حين أنه كان على وشك السقوط وانتهاء نفوذه في مناطق سيطرته، واشتعال ثورات هنا وهناك ضده، وكان أبرزها في آب وحجة ورداع وفي عاصمتهم صنعاء وحتى في منبع نفوذهم صعده وقد نجحوا في استغلال التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية في إخماد هذه الثورات ولم تكن هذه التغيرات صدفه بل وراءها دول إقليمية لها أطماع وأبعاد أخرى، وهي مقتنعة أن الحوثي سيحكم الشمال، أرض أجداده الفقيرة، ولكن أطماعهم هي الجنوب وتخوفهم الكبير هو المجلس الانتقالي الذي يحظى بشعبية واسعة في الجنوب، وهو الممثل الشرعي لشعب الجنوب في استعادة دولته المستقلة وتهدف الدول الراعية لهذه الحرب إلى إخراج القضية الجنوبية وممثلها المجلس الانتقالي من المشهد السياسي  وإحلال بدلاً منها مكونات أخرى يستطيعون تمرير نفوذهم عليها وهناك إيحاءات توحي إلى تجزئة اليمن إلى أقاليم: وستكون صنعاء وما يسيطر عليه الحوثي للحوثي وتعز والحديدة لطارق عفاش،  والمحافظات الشرقية لا يزال أطماع الدول الطامعة لم تحصل على مكون صادق لها تسلم له زمام الأمور لكن التباينات تقول إن من سيمسك إقليم حضرموت هو درع الوطن ومكون جديد يقوده العليمي، وإقليم عدن الانتقالي، وتُقاد هذه الأقاليم تحت سيادة مسلوبة من دول صديقة لها اطماع خاصة.

 

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الصراع بين الحوثيين وأمريكا لا يهدف إلى هزيمة أو انتصار أي منهما، بل يشير إلى توافق ضمني بين القوى الكبرى مثل السعودية وأمريكا على شرعنة الحوثيين في الشمال وشرعنة النفوذ الأمريكي في بحر العرب وإنشاء قواعد عسكرية في الشرق الأوسط وبسط نفوذ السعودية في المحافظات الشرقية 

 

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يمتد إلى الأبعاد الجيوسياسية التي أفرزت صراعاً على الموارد، حيث تسعى أمريكا إلى محو غزة من الوجود وترحيل ما تبقى من أرواح فلسطينية إلى سيناء والاردن والسيطرة على غزة، الغنية بالموارد مثل الغاز الطبيعي وموقعها الاستراتيجي الهام، تعتبر جزءاً من استراتيجية أمريكية طويلة الأمد تهدف إلى تقويض النفوذ الروسي وهيمنتها على الغاز الطبيعي في المنطقة إضافة إلى أن أمريكا تسعى إلى فتح معبر مائي في رفح تنافس قناة السويس، وهذا هو حلم أمريكا الذي سيعزز من اقتصادها بمليارات الدولارات، والذي سيؤثر سلباً على الاقتصاد المصري ولا شك أن لأمريكا وإسرائيل أطماع اخر وهي مصر لسيطرة من النهر إلى النهر وتحويل عاصمتهم القاهره لأن مصر هي الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني والنفوذ الأمريكي في المنطقة 

 

في حال تحقق هذا السيناريو، فإن الولايات المتحدة ستنسحب من حربها في اليمن وتعلن هزيمتها، كما عملت في الصومال وأفغانستان، أو بالأحرى نقول إعلان انتصارها، نظراً لأن الأهداف الاستراتيجية الكبرى قد تم تحقيقها هذه الأهداف تكمن في السيطرة على قطاع غزة وفتح معبر مائي أي قناة خاصة بها في رفح ونشر قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط وفي بحر العرب، والذي أعطى لها الحق بذلك هو الحوثي.

 

ولذا، فإن الشعب الجنوبي هو الضحية إذا لم تنتبه قيادات المجلس الانتقالي لما يدور من حوله من مؤامرات سياسية خبيثة  قبل فوات الأوان وان تكثف جهودها السياسية ولا ترذخ لاي تنازلات حتى وإن كلفها الثمن او الخروج من حكومة المناصفه أو عليه إعلان الإدارة الذاتية فخلفه شعي سيمنحه الشرعيه والقوة فالأمر خطير اذا طال الوضع على هذا المنوال فقد كان استعادة الجنوبيين لدولتهم الجنوبية المستقلة حقيقة قريبة، لكن اليوم، بات هذا الحلم بعيد المنال بسبب حكومة المناصفة والمجلس الرئاسي الذي أصبحا عاجزين عن اتخاذ أي قرار، سواء بإقالة فاسد أو عقد أي اجتماع، إلا إذا كان ذلك تحت إشراف سعودي.

 

من هنا، نجد أن أفق بناء دولة يمنية ذات سيادة مستقلة سيبقى حلماً بعيداً كحلم ابليس بالجنة، اذا لم تتغير الظروف السياسية والاقتصادية بشكل جذري إن السيناريو السياسي المعقد الذي تشهده المنطقة يعكس حالة من عدم الاستقرار التي قد تستمر لسنوات قادمة، ما يجعل من الصعب تصور أي تقدم نحو تحقيق الاستقلال والحرية للشعب اليمني، سواء كانت دولة موحدة أو أقاليم، فكل منهما ستكون السيادة مسلوبة وعلى المجلس الانتقالي الخوض معركة مصيرية لاستعادة الدوله أو على الأقل إعلان الإدارة الذاتي للحفاظ على مكتسبات الثورة الجنوبية واما حققه الجنوبيين من انتصارات على أرض الواقع أما الاستمرار على هذا الحال والشراكة مع الحكومه التي تحلم باستعادة الوحدة اليمنية التي قد ماتت منذ زمن سيزيد إغراق قضيتنا في بئر عميق وسيدفع شعب الجنوب الثمن