د. أنيس عبدالله شعفل
د. أنيس عبدالله شعفل

من التلقين إلى التفاعل الذكي: أثر روبوتات الدردشة على التعليم الجامعي

يشهد العالم اليوم ثورة معرفية غير مسبوقة تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفي مقدمتها روبوتات الدردشة الذكية التي أصبحت جزءًا من الحياة العلميةو العملية على حد سواء . لم يعد الطالب الجامعي بحاجة إلى انتظار موعد المحاضرة ليطرح سؤاله، ولم يعد الحصول على المعلومة مرتبطًا بكتاب أو مرجع واحد، فهناك منظومات ذكية قادرة على الإجابةوالتفسير وتوليد الأمثلةخلال ثوانٍ قليلة. ومن موقعنا كمتخصصين في مجالات الحوسبة، نُدرك أن هذا التحول لا يمثل امتدادًا طبيعيًا للتطور التكنولوجي فحسب، بل يشير إلى مرحلة جديدة ستعيد تشكيل مفهوم التعليم الجامعي بشكل جذري.

لقد مازج الذكاء الاصطناعي بين المعرفة وسهولة ا لوصول إليها، فحول الطالب من متلقٍ سلبي إلى باحث نشط يمتلك أداة قادرة على مساعدته في الفهم والتحليل والتفكير النقدي. وهنا يظهر الدور الجديد للاستاذ الجامعي. 

فدور الاستاذ الجامعي مع تطور روبوتات الدردشة الذكية مثل Chat GPT, Depseek، لن يتراجع إلى الخلف ولن يُستبدل بماكينات ذكية، كما يظن البعض، بل ستتغير طبيعة دوره نحو الإرشاد والتوجيه وصناعة بيئة أكاديمية محفزة والإشراف البحثي والتطبيقي، بينما تتكفل الأنظمة الذكية بالمهام الميكانيكية المتكررة. وهكذا يتحول التعليم إلى عملية تفاعلية تعتمد على التفكير العميق، لا على التلقين السائد في وطننا العربي، وهنا أصبح الأمر إجباري اليوم على الجامعات اليمنية التحديث الشامل وترك أساليب التلقين التي سيطرت على قاعاتها منذ عقود.

ومع اتساع استخدام روبوتات الدردشة الذكية، تتضح قدرتها على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بعملية التعلم. فكل سؤال يطرحه طالب، وكل تفاعل يحدث داخل المنصة، يتحول إلى معلومة قابلة للتحليل، بما يسمح للجامعات بفهم الصعوبات التي يواجهها طلابها وتطوير مناهجها بناء على معطيات دقيقة، وليس على حدس أو اجتهاد. أتحدث هنا عن تعليم تقوده البيانات ويستند في قراراته إلى الأدلة، وهو ما يمثل نقلة نوعية لا يمكن تجاهلها.

ومع ذلك، لا يمكن فصل هذه الطفرة التقنية عن تحدياتها الأخلاقية. فالبيانات التي تجمعها روبوتات الدردشة ليست مجرد أرقام عابرة، بل هي امتداد لهوية الطالب وسلوكه الأكاديمي. ومن ثم تصبح حمايةالخصوصيةوضبط استخدام البيانات مسؤولية أساسية لا يجوز التعامل معها بخفة. نحن بحاجة إلى سياسات واضحة تنظم طرق جمع المعلومات، وتضمن عدم استغلالها، وتحمي الطالب من أي مخاطر أمنية أو معلوماتية. فالتقنية مهما بلغت من تطور لا يمكن أن تكون بديلاً عن الأخلاق.

إن مستقبل التعليم الجامعي لن يكتب في قاعات المحاضرات فقط،  بل سيصاغ عبر التفاعل بين الإنسان والتقنية، وبين العقل والمنصة الرقمية. ومن خلال الأبحاث العلمية الحديثة في الذكاء الاصطناعي المنشورة خلال آخر أربعة أشهر تبين أن التطور متسارع ومستمر وقد نشهد في السنوات القليلة القادمة، نماذج تعليمية جديدة تجمع بين الإرشاد البشري والذكاء الاصطناعي، لتقدم تجربة تعليمية أكثر شمولاً وعمقًا ومرونة. ومن وجهة نظري كأكاديمي يعمل في قلب هذا المجال، فإن الجامعات التي ستنجح مستقبلاً هي تلك التي تستوعب هذا التحول مبكرًا، وتتعامل معه باعتباره فرصة لا تهديدًا، وأداة للابتكار لا عبئًا تقنيًا.

إن الذكاء الاصطناعي ليس موجة عابرة، بل هو مسار طويل سيقود إلى إعادة تعريف التعليم ذاته الجامعي وما قبله ومابعده. وما نحتاج إليه اليوم هو استعدا د فكري ومؤسسي يجعلنا جزءًا من هذا المستقبل،   لا مجرد متفرجين عليه. فالطالب الذي يدخل الجامعة اليوم سيخرج إلى سوق عمل يعتمد على هذه التقنيات بشكل كامل، ومهمتنا ليست فقط تدريسه، بل تأهيله لعالمٍ سيصبح فيه الذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا في كل خطوة من خطواته المهنية والمعرفية.