من الحِكم التي حفظها جنود القائد القرطاجي الشهير " هانيبال " قوله : الشعب الذي لا يعرف الكراهية العظمى ، شعب لا يحق له أن يعيش " .
كان العقيد القذافي مولعًا ولحد الهوس بالمحارب "هانيبال " الذي اجتاز بجيوشه الضخمة جبال وبحار دول أوروبا المتوسطية . هاينبال فضـَّل الموت منتحرًا عن أن يسلم رأسه لروما بعيد هزيمته ولجؤه لملك صديق لم يستطع حمايته بسبب كثرة الجيوش المحاصرة .
كانت معركة القذافي عكس معركة "هانيبال " تمامًا ، فلم يحارب غير شعبه الثائر عليه . وصف شباب ليبيا بالجرذان ، موجهًا أجهزته بإبادة تلك الفئران البشرية وبملاحقتها زنجة زنجة ، ودار دار .
والحقيقة ان الزعيم المجنون ضاقت به السُبل فلم يجد في مساحة ليبيا المترامية غير عبَّارة مجارير وفي مسقط رأسه " سرت " ليلوذ فيها كفأر مذعور وإلى أن عُثر عليه وتم تصفيته .
ولا يقتصر الأمر على ملك ملوك افريقيا " القذافي "، وانما التاريخ زاخر بنماذج كاثرة من القادة المهووسين بالعظمة والسلطان والاستعباد ، ولا أظن النازية والفاشية غير فكرتين شوفينتين شاذتين تخلقتا من البغُـض والجنون والغضب.
في المنتهى سيطر الفوهرر ادولف هتلر على معظم اوروبا؛ لكنه هـُزم ولم ينتصر، وقُتل موسوليني شنقًا وظل جثمانه في ساحة الاعدام في روما تعزيرًا وانتقامًا ، فلم تحميه جيوشه الواصلة الى الصومال وارتيريا والحبشة.
فنزعة الثأر والانتقام ربما منحت أصحابها طاقة مهولة من الغضب ؛ لكن الغضب طاقة سلبية قوية ، وما يمايزها انها سريعة الإرتداد ولا تفرق بين صديق وعدو .
وحتمًا روح الانتقام تماثل لظى جحيم ، فإن لم تعثر لها على نفوس مستنزفة لمفاعيلها المؤججة في الصدور ستأكل ذاتها رويدًا رويدًا ، طال الزمن أم قصر .
لذلك السبب وحده ، دُمِّرت سوريا وتمزَّق العراق ، وخُرِّبت ليبيا ، وتعثَّرت مصر ، وضاعت اليمن ، وأُغتيل لبنان ، وتخلَّف السودان والقائمة مفتوحة ، فحيثما يسود الغضب ترتع الكراهية وحيثما تسود رغبة الانتقام تستباح الدولة والمجتمع والتعايش والعدالة والسلام والتنمية والازدهار .
فروما القديمة أُحرقت في سبيل رغبة انتقام مجنونة ولدت في ذهن " نيرون " الذي لم يشف غليل غضبه حرق مدينة ، فحسب ، وانما زاد لها أُمَّه وخليلته .
فمن أجل حُكم سوريا تساقطت براميل الغضب من السماء ، وبسبب بغُض النظام لمناوئيه أطلق العنان للسلاح الكيمياوي كي يفتك بارواح آلاف الأطفال والنساء والشيوخ السوريين .
ومن أجل روح الانتقام خُرِّبت أوروبا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ، كما وبسبب طغيان الكراهية ازهقت ارواح الملايين من البشر في عموم الدنيا، ناهيك عن احراق مدن وحقول قمح وأزهار وقبل هذه جميعًا افئدة البشر ..
نعم ،الغضب طاقة وعلى الانسان ان يغضب في بعض المواقف ؛ لكنها طاقة فتاكة مهلكة للأحمق والساذج والجاهل والطيب والصادق على حد سواء .