حدثت قرارات الرئيس هادي الأخيرة-بخصوص تعيين نائب عام، ورئيس لمجلس الشورى-ضجة كبيرة متكئة على خلفيات قانونية واجتماعية.
دعونا نقول إن هذه الضجة باعثة على الأسى، نظراً لأنه في الوقت الذي تُحمل فيه البلاد كلها على كف عفريت، يُدقق من يحدثون الضجيج في مدى مشروعية استحقاق هذا المنصب أو ذاك، أو قانونية هذا الإجراء أو ذلك. دعونا نتفق أن منصب رئيس مجلس الشورى يكون بانتخاب الأعضاء، ودعونا نتفق أن بعض التعيينات تثير بعض الحساسيات في مجتمع ما زال للأسف محكوماً بأنماط قبلية من التفكير. ولكن دعونا نسأل: هل السبب الحقيقي وراء اعتراض المعترضين على تعيينات هادي أنها تخالف الدستور؟ أم أن السبب الفعلي يتمثل في أنها تخالف رغباتهم السياسية؟ وهل لو جاءت تلك التعيينات متوافقة مع الهوى السياسي، هل كانت مسألة الدستور والقانون واتفاق الرياض ستثار؟ يا إخوتنا: الكل يعرف أن العملية السياسية برمتها غير محكومة اليوم - بشكل تام - بنصوص الدستور، نظراً لتوافقات 2011، وما بعدها. يا أخوتنا: البلاد على كف عفريت وأنتم ما زلتم تتماحكون حول هذا المنصب أو ذاك! يا إخوتنا: أما شبعتم مناكفات؟! ألم تروا إلى أين وصلت البلاد؟! دم اليمن مسفوك اليوم في كل مكان، وأنتم تسألون عن الفتوى الشرعية حول "دم البعوضة"! عيب والله! ما قيمة كل هذه المناصب، والبلاد ينحرها الحوثي من الوريد إلى الوريد؟ أما يهولكم حجم المأساة؟ أما ترون حجم الدمار؟ البلاد تنهار اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وقيمياً، والإيرانيون يتحكمون بمصائر أخوتنا في العاصمة ومناطق سيطرة مليشياتهم، وأنتم تتنطعون بالتمحيص في قضايا دستورية تعلمون أنها لا تثار لوجه الدستور، ولا لوجه القانون، ولا لمصلحة البلاد! والأعجب من ذلك أن البعض من أبناء مأرب غضب لتعيين ابن مأرب الدكتور أحمد الموساي مكان ابن مأرب الدكتور علي الأعوش نائباً عاماً، مؤكداً ان هذا "استهداف لتضحيات قبيلة مراد وشهدائها". دعونا من هذا الكلام... أولاً مراد لم تقاتل لأجل أن يظل الأخ الدكتور علي الأعوش نائباً عاماً، ولم تقاتل ليكون الأخ الدكتور قاسم بحيبح وزيرا للصحة، مراد لم تقاتل دفاعاً عن أشخاص في الشرعية، ولكنها تقاتل دفاعاً عن الشرعية الدستورية، وعن أرضها ووطنها، يمن علي ناصر القردعي. كفوا عن مثل هذا الكلام الذي ينتمي إلى نوع من التساؤلات حول دم البعوضة في حضرة دم اليمن المسفوك في كل مكان. صحيح أن من حق مراد أن تُكافَأ تضحياتُها، ولكن من غير الجائز إظهار مراد أو مأرب وكأنها تقاتل من أجل منصب هنا أو هناك؟ مراد فوق المناصب لأنها ليست مجرد قبيلة، إنها دولة مكتملة الشروط، ولا يضرها خروج أحد أبنائها من منصب قضى فيه سنوات، وسيخدم في منصب آخر، كما لا ينفغها دخول ابن آخر لها في منصب جديد اليوم، وسيخرج منه غدا. وفي الأخير: من كان همه إنقاذ اليمن لا يغضب لمنصب خرج منه، ولا يفرح بمنصب دخل فيه. افهموا يا ناس: كل المناصب لا قيمة لها إذا ابتلع الإيرانيون وطنكم. كل من يسعى لإثارة مثل تلك القضايا التافهة يعمى عن الخطر المحدق بهوية اليمن والجزيرة العربية، أنتم لا ترون الخطر القادم، ولذا تثيرون كل تلك الزوبعات في فناجين السياسة الصدئة. قبل سنوات قلنا إن عين الحوثي على صعدة، لتكون عاصمة روحية له، وعلى صنعاء كعاصمة سياسية، ونبهنا "المتناكفين" الذين كانوا يقولون إننا طائفيون ومتعصبون وعنصريون، ولم يستيقظوا إلا والحوثي يدخل غرف نومهم ويقتل زعماءهم. أما يكفيكم هذا الخصام النكِد، وهذه المكايدات المقيتة؟! أما يكفيكم عبرة أن تقرؤوا لقيادي حوثي وهو يحاول الاصطياد في الماء العكر، متحدثاً عن مخالفة قرارات هادي للدستور اليمني، وإهمال الشرعية لقبيلة مراد؟! أما عرفتم القصد من ذلك؟! مرة اتصلت بالشهيد القائد عبدالرب الشدادي من لندن أسأله عن الوضع العسكري، وعن إمكانية الحل السلمي، فقال: أنا رجل ميدان، وهمي العمل العسكري ضد الانقلاب الحوثي، وأترك الخوض في القضايا السياسية للسياسيين. ومرة تواصل معي أحد مقاتلي الجدعان، وقال ما قدم أحد مثلما قدمنا من شهداء، فهل سمعت لنا صوتاً يطالب بمنصب كبير أو صغير؟! انتبهوا أيها الساسة... لا تنحرفوا عن مسار الشدادي، مسار الأجدعي، مسار القردعي سلام الله عليهم جميعاً...
لا تنحرفوا تضلوا...