محمد علي محسن
محمد علي محسن

تغريدات في الشتاء لن تجلب الربيع !! 

دون توافق سياسي واضح وحاسم سيبقى الفعل العسكري مجرد أداة لتعميق الأزمة القائمة وترحيلها بمضاعفاتها الجديدة إلى الزمن القابل. 

جرَّبنا مثل هذه المظاهر التوافقية الشكلية فكانت النتائج دومًا كارثية ومأساوية ، إذ ان تعدد السلطة والقرار والولاء والرؤية والخطاب والقيادة من شأنه فتح بوابة جهنم للجميع، ومن يظن انه ناجيًا فهو يعيش في البرزخ وليس في اليمن. 

الحالة جنوبًا يستلزمها حلًا سياسيًا جذريًا ، وهذا الحل باعتقادي لن يتحقق دون الاتفاق على ماهية الجنوب ووجوده حاضرًا ومستقبلًا ، ما يعني الإجابة عن الثلاثة الاسئلة وبكل صدق وشفافية : هل الحل سيكون بدولة مستقلة وبحدودها ومساحتها قبل التوحد أم بإقليم أم إقليمان ضمن دولة اتحادية فيدرالية؟؟؟. 

طبعـًا ،البعض سيستفزّه مثل هذا الطرح؛ لأنه قد سبق وقرر المسألة ذهنيًا وان بشكل أحادي، بينما البعض الأخر سيسأل : من سيقرر هذه الاجابة وبموضوعية وشفافية وتجرد من أي مصلحة ضيقة؟ .  في الوقت الحالي لا يوجد ثمة طرف سياسي يمكنه تقرير حق شعب في أختيار مستقبله السياسي ، أكان بدولة مستقلة أم ببقائه في كيان دولة فيدرالية مازالت نظريًا على ورق .  فالمسألة مصيرية ولها صلة بحق شعب ، ما يتوجب استفتاء شعبي ديمقراطي نزيه وعادل، وهذه الاداة السياسية والشعبية للأسف غير متوفرة في ظل هيمنة لغة الحرب وغياب الدولة اليمنية . 

فكل من الدولة الجنوبية او الأقليم الجنوبي او الاقليمين " عدن وحضرموت "،ثلاثتها مازالت تطلعات فلم تتوافر لها عوامل نجاحها وطنيًا ودوليًا مهما بدى للبعض انها ممكنة التحقق في هذه الوضعية التاريخية الاستثنائية . 

في تصوري الشخصي انه يمكن التوافق على حل سياسي يرضي الأطراف المختلفة ، وحين اقول يرضي فلا يعني ان توافقًا سياسيًا من هذا القبيل سيكون ممكنـًا دون تنازلات سياسية ملحة وحتمية من  الأطراف مجتمعه . نعم ، لابد من تنازلات جوهرية وفعلية لأي من الخيارات والبدائل الموضوعة كرؤية جمعية بديلة لحالة الشتات الاخذة بالتضخم والتطور .  

وإذا ما تشبث كل طرف برؤيته السياسية ودونما تنازل يقدمه لمغادرة الوضعية الراهنة ،فذاك لا يعني غير المزيد من الأزمات والصراعات العنيفة البينية، ما يعني التأجيل والتأخير للحل السياسي . 

الدولة الجنوبية لن تتحقق بالقوة ومهما بدت لغة القوة مغرية ومحفزة للبعض ، كما وتجسيد الدولة الاتحادية الثنائية أو المتعددة الاقاليم يستلزمها دولة مؤسسات واوضاع اجتماعية وسياسية مستقرة، وهذه مجتمعة لن تأتي دون توافق سياسي ودون منتهى للحرب .

فغياب الدولة وبقاءها مساحة يشغرها العنف والفوضى والمليشيات المسلحة نتيجة لتعدد السلطات والولاءات لن يأتي بدولة الجنوب أو يتحقق بها اتحاد اليمن المنشود ، فلابد ان تكون هنالك دولة حاضرة بسلطاتها ونظامها وسيادتها وفاعليتها . وبدون دولة يمنية قائمة بمؤسساتها وهيئاتها سيكون البديل مريرًا وقاسيًا ، يعني التعويل على الفوضى أو الحرب، والأثنان الفوضى والحرب لن يمنحان اعترافـًا أو استقرارًا لأحد .

والتاريخ فيه الكثير من الشواهد، فحيثما توجد الدولة ، فقط ، هنالك يوجد ثمة استجابة وتعاطي مع المسائل الوطنية الداخلية، وبغير وجود دولة تصير مشكلات وأزمات اي شعب خارجة عن سياق اهتمامات الداخل والخارج. 

كما وغياب حضور الدولة مدعاة لجلب واستدعاء المزيد من الازمات الوطنية الداخلية وتوسعة دائرتها ونطاقها ما بقي الوطن مستباحـًا يتشاطره أمراء الحرب ، وتجار السلاح ، وعرابو الشعارات وجلاوزة الطغيان والعبث ، وجميعهم للأسف يستحكمون بالحالة اليمنية كاقطاعيات قبلية ومناطقية وطائفية ونفعية لا ترتقي مطلقـًا لمصاف الدولة .

وفي المحصلة لن يفلح كل هؤلاء المتهافتون على السلطان والهيلمة والمال ، فتمزيق البلد على هذا المنحى المؤلم لن يمنحهم دولة ولو كجمهورية " سانت مارينو " او " جزر مارشال " ، وانما سيجدون انفسهم يستحكمون في كانتونات مضطربة غارقة في لج ازماتها وتناحرها.  وخلاصة الكلام، لن تستقيم الحالة جنوبًا بمسكنات توافقية طارئة وانما بعلاج جدي وناجع ، فدون رؤية سياسية واحدة للحل، سيبقى الزمن القابل مفتوحًا لخيارات مريرة ومؤلمة، ومن يعتقد ان بمقدوره الايفاء بوعوده كاملة ودون تنازل او تراجع عن رؤيته أو وعوده، فذاك يتصادم كليـًا مع ابجديات السياسة وادواتها وتجاربها.  كما ودون توافق سياسي، فإن الخٰطب العصماء لن تستعيد دولة للجنوب أو لليمن ، بل وعلى العكس سنجد أنفسنا يومًا عن يوم ، نخسر ما هو متوافر وممكن، كما ونخوض معارك بينية متناسلة ومكلفة للغاية.  تارة من اجل تجسيد فكرة أحادية، ومرات في سبيل مصلحة شخصية ضيقةوانانية، وفي النهاية لا الفكرة المستبدة ستأتي بوطن حر ومستقر أو ان الافراط في الانانية والاقصاء للاخر يمكنه خلق دولة عادلة تتسع للجميع .

ما نسمعه من وعود منذ أعوام خلت يماثل تغريدة عصفور في شتاء قارس، فايًا كان صدى التغريد مغريًا وجاذبًا لبروز اصوات كاثرة ، لكنه في النتيجة لن يجلب الربيع قبل حلول موعده . 

محمد علي محسن