لاشك أن المواطنين الذين تظاهروا ضد الحكومة لديهم حق قانوني وديمقراطي وحقوقي ، لكن طريقة التظاهر والإصرار على تعطيل المؤسسات وطرد الحكومة لا تحقق مطالبهم ولا تحل مشاكلهم بقدر ما تزيدها تعقيدا وتعطل التنمية وتعرض البلد لمزيد من عدم الاستقرار وتعزز من استمرار العنف وتحقق مصالح أمراء الحرب وتجار الأزمات .
صحيح أن هناك غضب كبير في الشارع ، لكن هذا الغضب إذا لم يقنن وفق المبادئ الديمقراطية ، فإنه لن ينتج إلا مزيد من العنف ، وكلما صعد الشارع العنف ، كلما زادت مشاكله وكبرت احتياجاته ، كما أن الغضب المنفلت ووصوله إلى مقر الحكومة في المعاشيق أكد أن البدء بالشق السياسي قبل الشق الأمني في اتفاق الرياض يجعل مطالب التغيير تخضع للمتاجرين بحاجات الناس وتثويرهم على حساب مطالبهم الحقيقية .
سبق وأن كتبنا أكثر من مقال حول إشكالية تقديم السياسي على الأمني وحول إشكالية المرتبات وإشكالية إعادة الإعمار والاستقرار وإشكالية عدم توحيد القرار بين السعودية والإمارات ، وفي جميع هذه المقالات حذرنا من المعادلات الخطيرة التي تربط مستقبل ومصير المواطن ومجمل القضية الوطنية وحذرنا من الوصول إلى المعادلة التي تجعل المواطنين أمام مفاضلة ما بين الراتب والالتزام الوطني .
ومع كل يوم يمر يؤكد ما حذرنا منه ويؤكد أنه لا يوجد أفق لتسوية سياسية مشرفة ، خاصة مع استمرار تهرب التحالف مما عليه من التزامات وسعيه المتكرر لتهميش الشرعية وإظهارها عاجزة عن القيام بالتزاماتها تجاه الشعب وخصوصا دفع المرتبات وتقديم الخدمات الأساسية ، فالمعادلة التي أوجدها التحالف تعد معادلة خطيرة ، تقوم على الراتب أو الوطن ، وكأن الراتب كان بالأساس مقابل بيع الوطن أو التخلي عن القيام بالواجب الوطني في مقاومة الحوثي .
تبدو الفجوة متسعة بين هموم الشارع والطبقة السياسية ، وما يجري بين الشرعية والانتقالي يعكس حالة من الانفصال المأساوي عن هموم الناس ، الذين يكافحون من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهم ، فالانتقالي يريد أن يحكمهم ويريد من الشرعية أن تتحول إلى مجرد أمين صندوق لديه تصرف المرتبات وتقدم الخدمات وتتلقى من الناس اللعنات .
ولست بحاجة إلى القول إن اليمنيين يحتاجون إلى حكومة أفضل من هذه الحكومة ويحتاجون إلى برلمان أفضل من هذا البرلمان يسمي الأشياء بأسمائها ، يحتاج الناس إلى رئيس برلمان من نوع مختلف بعيدا عن الفساد والتبعية للغير على حساب القرار الوطني ،لقد قدم البرلمان نموذجا صارخا عن الفشل في استخدام سلطته التشريعية .
إن الإصرار على إبقاء اليمن رهينة أجندات خارجية بات أمرا يفوق طاقة اليمنيين على تدوير أزماتهم وتقديم التضحيات ، اتمنى أن يصغي الجميع للضرورات والاحتياجات الوطنية ، وأن يدركوا مخاطر التصدع والانهيار بدون حكومة قادرة وفاعلة وغير تابعة ، فقد فشلت الحكومة فشلا ذريعا في انتهاز الفرصة التاريخية التي أعطيت لها ، لكنها عجزت عن أن تقوم بدورها في استعادة الدولة ابتداء من المناطق المحررة .
من المؤكد أن التحالف لعب دورا كبيرا في حرف المسار الذي كان يمكن أن تتخذه عملية التحرير إثر طرد الحوثي من عدن لو كان أتيح للجنوبيين اختيار طريقهم بعيدا عن الوهم الكارثي والأفكار المزيفة عن دولة الجنوب والأبتعاد عن العنف والانقسامات المناطقية خدمة لأجندات خاصة لكنا اليوم أمام جنوب مزدهر ، ولا شك أن الشرعية تتحمل القسط الأوفر في هذا الفشل بوصفها سلمت قرارها للتحالف وتفرغت لتدوير الفاسدين داخلها لتقودنا إلى هذه المحن والكوارث التي نعيشها اليوم ، وهي مطالبة اليوم بإعادة النظر في استعادة قرارها والتخلص من كل ما يثقلها من فساد داخل الحكومة والسلك الدبلوماسي واستعادة ثقتها بالمواطن .