مما لا شك فيه أن أي حرب لابد أن تنتهي بتسوية سياسية ، والمبادرة الأمريكية التي قدمت باسم السعودية لن تنجز هذه التسوية لعدة أسباب ،منها :
١ . السعودية طرف في الصراع وليست وسيط حتى تقدم مبادرة . ٢ . السعودية قادت تحالفا عربيا أطلقت عليه تحالف دعم الشرعية وحددت هدفها باستعادة الشرعية وهزيمة إيران في اليمن ، واليوم تتبنى المبادرة الأمريكية وسفيرها في الرياض والسفير الإيراني في صنعاء . ٣. إذا لم تكن عودة الشرعية إلى اليمن أولوية للسعودية أو مبررا للحرب ، فما هو المبرر إذن ؟
أستطيع القول إن السعودية تصر على أن تلحق الضرر بنفسها ماديا وسياسيا ، فمبررها لخوض الحرب في اليمن هو إعادة الشرعية ، لكن هذا الإدعاء كان غير صادق ، فسرعان ما اختفى النصر السريع الذي أعلن عنه عسيري في بداية الحرب واتضح أن السعودية بلعت طعما مسموما ، حيث تم التلاعب بمسار المعركة وتحويل الهدف من إسقاط الحوثي إلى إسقاط الشرعية الدستورية ، وضرب التعددية السياسية وتدمير كل ما يتعلق بالدولة والإبقاء على كل ما يتعلق بالحوثي ، وبالتالي أسقطت نفسها .
إدعاء إعادة الشرعية كلف اليمن أكثر من ربع مليون يمني حياتهم وزعزع الاستقرار وساهم بلا شك في انهيار البنية التحتية ولم يفعل شيء لوقف الانقلاب ، على العكس من ذلك ولد انقلابات جديدة قوضت ما تبقى من الشرعية ، ومازالت حكومة الشرعية لا تستطيع أن تدير شئونها على الأرض بعد ست سنوات من الحرب .
هذه المبادرة لا ترتكز على أي أساس وهي مرتجلة مثلما كان قرار الحرب مرتجلا ، ولو اعتبرنا الجيش السعودي بما يملكه من إمكانات فريق رياضي ، فإن سجله الحربي في اليمن ، سيجعله في أقل تصنيف ، يعود السبب في ذلك إلى القيادات العسكرية والسياسية ، ليس لديها الخبرة الكافية للقيام بالمهام الموكلة إليها ، فافتقار هؤلاء إلى الفكر الاستراتيجي وعدم قدرتهم على فهم طبيعة الصراع ، بالإضافة إلى الفساد كانت النتيجة بلع المبادرة الأمريكية والقبول بالهزيمة .
والسؤال الأبرز : ماذا جنت السعودية أو ماذا حققت الحرب لليمنيين ، والجواب بكل بساطة خسرت السعودية مئات الملايين من المليارات وآلاف من أبنائها وخسرت اليمن مئات الآلاف من المدنيين وسلمت صنعاء لإيران وضربت الشرعية الدستورية وتم تفكيك الجيش الوطني ولم يسمح له بالتسليح ، بالمقابل تم تقوية الحوثي وتسليحه بأحدث الأسلحة وتعزيزه بانقلاب عدن ليخرج الشرعية عن الخدمة .
لقد اعتقد اليمنيون بمختلف أطيافهم أن السعودية ستستخدم قوتها بطرق بناءة في مواجهة التمدد الإيراني ، لكنها عززت من الوجود الإيراني وجعلت الشرعية تعاني مراحل الانهيار مما ولد شعورا عاما في اليمن وحتى داخل المملكة بأن نهج السعودية يتطلب إصلاحا جذريا ، إذ كيف تتبنى مبادرة لتسوية شاملة وأنت مازلت عاجزا عن تنفيذ اتفاق الرياض ؟
لمنع السيناريو الأسوأ ، الذي تتولى فيه إيران الأمور بيدها وتزرع المزيد من عدم الاستقرار ، والمزيد من الفوضى ، والمزيد من إراقة الدماء ، تحتاج المملكة إلى معرفة أن المسيرة القرآنية مثل الثورة الإسلامية قابلة للتصدير وأنه يتوجب عليها لحفظ ماء وجهها أن تشترط أولا وقبل كل شيء أن تتحول جماعة الحوثي إلى كيان سياسي وتسقط عن نفسها وهم الولاية والذهاب نحو انتخابات ، مالم فإن هذه المبادرة ستكون منحدرا زلقا لمهمة لا نهاية لها .