إن الأنين الذي كان الجنود يرددونه سراً غدا صيحة مدوية جراء تعاظم الظلم الذي يتعرضون له من قبل قياداتهم العسكرية والأمنية الذين أخذتهم العزة بإثم الخصم والاستقطاعات الكبيرة وغير القانونية من مرتباتهم بدون رحمة أو مرعاة للظروف المعيشية الصعبة للجنود الذين ينتظرون موعد الصرف بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر.
فقد تعالت مؤخراً وبصورة غير مسبوقة أصوات الجنود وشكاواهم بشأن تلك الخصميات بعد أن طفح بهم الكيل ، فأصبح لا حديث لهم في المجالس والملتقيات وحتى في منصات التواصل الاجتماعي سوى شكوى مستمرة ومريرة من الاستقطاعات التي تطال مرتباتهم.
وللأسف الشديد لم تلقَ تلك الشكاوى آذاناً صاغية من القيادة العليا وتأخذها بعين الاعتبار إنصافاً لجنودهم المرابطين الذين وهبوا مهجهم رخيصة وقدموا التضحيات الجسيمة في سبيل الذود عن حياض الوطن ومكتسباته ، بل تركوا الحبل على الغارب للقادة يخصمون على " كيفهم " ويعملون ما بدا لهم.
وبالطبع هذا الصمت والتواطؤ المريب وغض الطرف عن تلك الخصميات قد جعل قادة الألوية والوحدات العسكرية والأمنية يكشرون عن أنياب الجشع والطمع ويتمادون في فسادهم ولصوصيتهم إلى درجة وصل الحال ببعض القيادات الى سرقة أكثر من نصف الراتب وربما جل الراتب ، لأنه من أمن العقوبة أساء الأدب .. فلا تنتظروا وطناً من قادة لصوص شغلهم الشاغل ملء الجيوب حتى وإن كان ذلك من سرقة مرتبات الجنود المساكين والمغلوبين على أمرهم.
ختاماً : لا أخفي عنكم سراً لو قلت لكم إن ما دفعني لتناول أمر الخصميات الذي له تبعات خطيرة ومدمرة قد تعصف بالثورة والدولة المنتظرة التي ينشدها الجنوبيون قاطبة ؛ هو إنني وجدت أحد الجنود الأبطال الذي ما عهدته إلا شجاعاً مقداماً في مقدمة الصفوف وقد أبلى بلاءً حسناً في جميع جبهات الضالع ومع ذلك لم يسلم مرتبه من الخصم ، فقد وجدته في أحد المجالس يلوك وريقات القات بين شدقيه بنهم منقطع النظير وقد استبد به اليأس والقنوط وهو يحدثني بلغة منكسرة حزينة ملؤها القهر والألم عن حالهم البائس مع انقطاع المرتبات لأشهر طويلة دون أن تسلم حتى من الاستقطاعات الجائرة وغير القانونية ، فكان لزاماً عليّ أن أنقل ما يشعرون به من القهر والغبن لتعرفوا حجم معاناتهم وفداحة الظلم والباطل الواقع عليهم في ظل سكوت مطبق وتغاضٍ غير مبرر من قبل القيادة العليا